وعلى هذه القاعدة ، طوّر معاوية حزبه مع الحسن الى الحرب بالفتن.
وكان اذ يعسكر بجيوشه على حدود العراق ، لا يريد القتال ، وانما يخاف المبادءة من خصومه. ويود لو حاربهم في ميدان غير ميدان الجيوش.
ولم يبح بسرّه هذا ، الا على أسلوب من المصانعة والتمويه ، يتظاهر من ورائهما بالجنوح الى المصلحة والخوف على امور الناس. فيقول حين ينظر الى جيوش الفريقين في موقفه من الحسن بن علي عليهماالسلام : « ان قَتَلَ هؤلاء ، هؤلاء ، وهؤلاء ، هؤلاء ، من لي بامور الناس (١) » ، ويقول : « الامر الكبير يدفعه الامر الصغير (٢) ».
وما يدرينا ، فلعله اذ يتلكأ بهذا ونحوه ، انما يتلكأ لانه يحذر نتائج حرب السلاح ، فيمالو صدق العراق بالقراع. وليكن ـ على هذا الاحتمال ـ قد جهل موقف الكوفة في نفيرها مع الحسن وخيّل اليه من نتائج الدعاوة الشيعية ما لم يكن.
__________________
بلفظه.
وعلم زياد ان العرب لا تقر له بالنسب الجديد لعلمهم بحقيقة حاله ، وبالدراعي التي اقتضت استلحاقه ، فعمل « كتاب المثالب » والصق فيه بالعرب كل نقيصة ، فدل بذلك ايضا على شعوبيته الهوجاء.
وقضي للكوفة ان يحكمها زياد هذا ـ بعد هلاك حاكمها الاموي الاول المغيرة بن شعبة الثقفي ـ فجعل منها جحيما يستعر وزلزالا لا يستقر.
قال الطبري ( ج ٦ ص ١٢٣ ) : « ان زيادا لما قدم الكوفة قال : قد جئتكم في أمر ما طلبته الا لكم. قالوا : ادعنا الى ما شئت. قال : تلحقون نسبي بمعاوية. قالوا : اما بشهادة الزور فلا ». وهو اول من جمع له الكوفة والبصرة معا ، واول من سير بين يديه بالحراب ، ومشي بين يديه بالعمد ، واتخذ الحرس. وكان يستخلف على البصرة عند غيابه « سمرة بن جندب » وعلى الكوفة « عمرو بن حريث » ولما رجع الى البصرة بعد ستة اشهر وجد سمرة قد قتل ثمانية الاف من الناس!! .. « كلهم قد جمع القرآن ».
ومات زياد سنة ٥٣ هـ. وجاء المهدي العباسي سنة ١٥٩ هـ فالغى هذا الاستلحاق ، وأمر باخراج آل زياد من ديوان قريش والعرب ، وعاد زياد الى ابيه العبد الرومي مرة اخرى!!.
١ ـ ابن كثير ( ج ٨ ص ١٧ ).
٢ ـ المسعودى : هامش ابن الاثير ( ج ٦ ص ٦٧ ).