لا نعهد مثله لغيره ، بما يسر له من الثراء الضخم الذي مهدته له بلاد الشام في عقدين كاملين من السنين وبما حظى به من صحب مساعير في هذا الميدان ، أمثال المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص. وكان ابن العاص هذا ، أعظم مصارع على هذا المسرح ، وهو الذي « ما حكَّ قرحة الا نكأها ».
واستلحق ـ الى هذين ـ زياد بن عبيد الرومي الذي انتزعه من معسكر الحسن عليهالسلام انتزاعته (١) المفضوحة في التاريخ ، فكانوا ثالوثه المخيف الذي فتن الناس وزلزل الدنيا وبلبل الاسلام. واخيرا فان الفتنة بمعناها الاعم ، هي موهبة معاوية التي لا يغلبه عليها ألمعي قط.
__________________
١ ـ كان زياد هذا ، عامل الحسن بن علي (ع) على ناحية من فارس وهو عليها منذ عهد ابيه بعثه اليها عبدالله بن عباس منذ كان على البصرة.
فكتب اليه معاوية يتوعده ويتهدده ، فقام زياد في محل عمله بفارس خطيبا فشتم معاوية ووصفه « بابن آكلة الاكباد وكهف النفاق وبقية الاحزاب » ، وهدده بابني رسول الله (ص) ـ وهو اذ ذاك من شيعتهما ـ وبأجنادهما من المسلمين. وتجد نص الخطبة في فصل « عدد الجيش » من هذا الكتاب.
واما قضية استلحاقه ، فهي على الاجمال ، حكاية زنية يزنيها ابو سفيان ببغي من ذوات الاعلام بالطائف كانت تؤدي الضريبة الى الحرث بن كلدة الثقفي ، تدعى « سمية » فيكون نتيجتها « زياد » هذا ، ويقبل معاوية شهادة كل من ابن أسماء الحرمازي وأبي مريم الخمار السلولي ـ قواد هذه البغي وغيرها من امثالها ـ فيستلحق زيادا كاخ شرعي رغم ان عبدالله بن عامر ( صهر معاوية على ابنته هند ) كان يهم أن يأتي بقسامة من قريش يحلفون أن اباسفيان لم ير سمية!! ثم تكشف جويرية بنت ابي سفيان لزياد عن شعرها وتقول له : « أنت أخي أخبرني بذلك ابومريم!!» ثم يقول زياد عن أبيه الاول الذي ولد على فراشه فبدله بأبي سفيان ، وكان عبدا روميا للحرث بن كلدة الثقفي ، يدعى « عبيدا » : « وما كان عبيد الا والدا مشكورا ونزل!! .. » وكان ذلك سنة ٤١ للهجرة على الاصح.
وعدَّ الناس حادثة الاستلحاق أعظم تهتك وقع في الاسلام علنا.
قال ابن الثير : « وكان استلحاقه أول ما ردت به احكام الشريعة علانية ، فان رسول الله (ص) قضي بالولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقضي معاوية بعكس ذلك ، طبقا لما كان العمل عليه قبل الاسلام ، يقول الله تعالى : أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون » انتهي