نعم هو صاحب موهبة ـ كما قلنا ـ ولكن في حيز محدود ، وصاحب سخاء ولكن من نوع فريد ، وصاحب هواية خاصة لها سلطانها القاهر على نفسه.
فأما موهبته ففي اغتنام الفرص من مآزق الناس ، واما هوايته ففي الغلبة والسلطان ، واما سخاؤه فبما لا يسخو به من يحسب لاخرته حسابها.
والمرجح أن معاوية كان يعرف من نفسه قصورها عن العسكري الذي كان يجب أن يكونه وهو يناضل أشجع عسكرية في الاسلام ، فكان يود دائما ان يلتوي بحروبه مع العراق ، الى الطريقة الخاضعة لموهبته ، ويفر ـ ما وسعه الفرارـ ـ من حرب السلاح الى حرب الفتن.
وكانت التجارب التي صارعها معاوية في حروب صفين ، هي الاخرى التي املت عليه القناعة القصوى بهذا الاختيار.
ولم يفلت معاوية من النهيار المحقق الذي حاق به يوم ذاك ، والذي نشط به الى محاولة الفرار بنفسه على ظهر جواد ، الا حين أخذ بالرأى البكر الذي أملاه عليه مستشاره الكبير « ابن العاص »! ثم كانت الفتنة بنطاقها الواسع الذي خلق للمسلمين انواع المشاكل والنكبات فيما بعد.
فالفتنة في نظر معاوية خير مركب للنجاح ، وهي بتجارب معاوية امضي أثرا من السلاح ، فكيف لا يجنح اليها كلما حاق به مأزق من هذه المآزق التي كان يجرها على نفسه في مختلف المناسبات؟.
ورفق معاوية في ميدان « الفتنة » الى تعبئة جهاز من النوع الثقيل ،
__________________
البراز فأحولت عيناك ، وأزبد شدقاك ، وتنشر منخراك ، وعرق جبينك ، وبدا من اسفلك ما أكره ذكره!! فقال معاوية : حسبك حيث بلغت ، لم نرد كل هذا .. ».
و روى هذا الحديث المسعودي ( هامش ابن الاثير ج ٦ : ص ٩١ ) وبدأه بقول عمرو بن العاص لمعاوية : « لولا مصر وولايتها لركبت النجاة منها ، فاني أعلم ان علي بن ابي طالب على الحق وانا على ضده ، فقال معاوية : مصر والله أعمتك ، ولولا مصر لالفيتك بصيرا ، ثم ضحك معاوية ضحكا ذهب به كل مذهب. قال : مم تضحك يا امير المؤمنين أضحك الله سنك؟ قال : أضحك من حضور ذهنك يوم بارزت عليا ».