وكان من لوازم هذا الالتواء ـ في جانب الحسن ـ أن تتلاشى في نفسه ، الغرائز المثلى التي غرستها في كيانه يد النبوة ، وغذتها في روحه أثداء الوحي ، وبسطتها في وجدانه مهابط التنزيل.
و أنى لتلك الغرائز ان تتلاشى في نفسه ، وهي منه كبعض ذاتياته التي لا تنفصل عنه؟. وانى له أن يعمل للدنيا أو « يحزم وينصب لها » وهو ابن رسول الله وربيب حجره ، وتلميذ مدرسته؟.
وما لرسول الله وللدنيا ، لولا انها ميدان رسالته.
فليكن الحسن بحكم طبيعته المملاة عليه من تربيته وعقيدته ومحيطه ، مرآة جده ، ولكن في ميدان امامته ، وتلك هي القدوة الحسنة والاسوة الطيبة ، التي لا يمسها ضعف ، ولاتتهم بجبن ، ولايهزمها همزة بنقص ـ مرآته في زهده بالدنيا ، كما هو مرآته في كرائم صفاته ، لانه كان « أشبههم به خلقاً خلقا » ، ومرآته حتى في سياسته وأدراته.
فأين هي مآخذ الضعف على الحسن فيما يتسرع اليه المنتقدون؟.
ونسي الخائضون في نقد سياسة الحسن عليهالسلام ، حراجة موقفه من أنصاره ، ونسوا ان شذوذ هؤلاء الانصار انما كان وليد الحوادث الزمنية التي لا يَدَ للحسن فيها ، بحكم تطور الحياة العامة منذ الجيل الثالث بعد عهد النبوة ، وأنطلاق الناس ـ أو اكثرهم ـ من عقال التقوى ، واستكانتهم للمطامع وللملذات. فالجناية اذاً جناية ظرفه ، والخيانة خيانة جيله الذي قدر له أن يعيش معه ، ولا تثريب على الحسن من هذا أو ذاك.
ونسوا ـ وهم يتحاملون على سياسة الحسن عليهالسلام ـ ان العاقبة لمثل هذا الموقف ومثل هذا الظرف ، ومثل هذا المجتمع الذي جبل على الرياء والباطل ، مع الرجل الذي لا يحلم بغير الاخلاص والحق ، لا تحتمل في الامكان أحسن مما كان.
لذلك نرى أن التدابير الخاصة التي اتخذها الامام الحسن في خطوات