قضيته ، كانت أبرع الحلول لمشاكلها ، وأروعها سياسة ، وأدقها نظرا ، واليقها بسيرة امام.
وقد عرضنا في فصولنا هذه ، المآخذ التي أخذت على الحسن عليهالسلام فذكرنا كلا منها فيما ناسبه من موضوعاتنا ، ورجعناه هناك الى وجه الصحيح الذي كان يواكبه في واقعه ، والذي لا يدع مجالا ـ بعده ـ لتحريف أو تخريف.
وهكذا انتفض الحسن ـ اخيرا ـ انتفاضته الاصلاحية الكبرى ، فطوّر الموقعة القائمة على الفتن والسلاح ، الى دعاوة خُلُق ومحبة واصلاح ، فاذا هو « المصلح الاكبر » المجلى في ميدان المصلحين ، واذا هو « القائد المبدئيّ » الظافر بأسمى مدارج الكمال بين الابطال المبدئيين.
واذا هو ـ بعد ـ ملك الدنيا بأسرها ، وان لم يكن ملك عرش.
وهل الاسلام في حقيقته ، الا هذه الروح الملائكية ، التي لن تغلبها مادية الدنيا ، ولن تستذلها شهواتها الرخيصة وأوهامها الخلّب الكذوب؟
انه نظر الى الكثرة من « أصحابه » فساءه أن يجدهم في تواكلهم عن الواجب ، وعزوفهم عن الخلق ، وتفرقّهم عن حقهم ، أصحابا لعدوه من دونه ، وكانت العدوى الخبيثة التي نشبت أظافرها في رؤوس الخائنين المعدودين ، قد فتكت في المجتمع المغلوب على أمره ففرقّت كلمته وضعضعت من صفوفه وجعلت من ـ في قليل من الزمن ـ طرائق وأوزاعا ، يرسم كل فريق منهم خططه بيده ويستعدّ للحرب ، ولكن ليحارب ـ في يوم كريهته ـ أبعد الرجلين عن مآربه وأقربهما الى حرمانه.
وأيّ أمل بأصحاب ليس شرا منهم الاعداء؟