وقديما كان الحرص على العرش أعنف اثرا في نفوس القائمين عليه ، من الحرص على النفس بله المبدأ ، فترى العدد الكثير ممن فدى عرشه بنفسه ، ولا ترى الا عددا ضئيلا جدا ممن فدى نفسه بعرشه.
وفي التاريخ صور بشعة كثيرة من قرابين العروش التي كان يفتدي الملوك عروشهم بها اولا ، وبأنفسهم أخيرا [ اذا لم يكن بد من الفداء بالنفس ].
وعلى مثل هذه النسبة من كثرة التضحية بالنفس في سبيل التاج وندرة التضحية بالتاج في سبيل النفس ، كان الفرق بين قيمتها المعنوية فيما يتواضع عليه الناس من القيم المعنوية للاشياء.
وذلك هو سر ما تستأثر به الحادثة النادرة ، من حوادث السخاء بالعرش من اهتمام الناس ، ولغط الاندية ، وقالة الجماهير. وهو سر ما تستثير من نهم المتطفلين الى الاشتباك بألوان النقاش ومختلف التحاليل والتعاليل. ولا يروى التاريخ حادثة سلطان يتنازل عن عرشه ، ثم لا يختلف عليه الناس ، فمن مصوّب ومخطيء ، وعاذر وعاذل ، [ فقوم له وآخرون عليه ].
الا الحسن بن علي عليهماالسلام.
فقد خرج عن سلطان ملكه ، وضحّى بامكانياته الدنيوية كلها ، في سبيل مبدئه ، فما شك انسان قط في نيته واخلاصه واستهدافه المصلحة ، وسمّو تضحيته في الله. وسمي عامه « عام الجماعة » اشعارا بالاجماع على موافقته والاخذ برأيه ـ عمليا ـ.
وتلك هي آية عظمته في التاريخ.
وآية مقامه المكين من قلوب المسلمين.
وآية سلطانه الروحي الذي لا يضيره نزع الصولجان.
وشكا بعضهم عزوفه ـ بهذه التضحية ـ عن معركة السلاح وكان من هؤلاء أفراد من كبار شيعته ، ولكن أحدا ممن شكا ذلك بدوافعه الزمنية ،