معاوية أراد ان يعزله عن الكوفة ، ويستعمل عوضه سعيد بن العاص ، فبلغه ذلك ، فقال : الرأي ان أشخص الى معاوية فاستعفيه ، ليظهر للناس كراهتي للولاية ، فسار الى معاوية وقال لاصحابه حين وصل اليه : ان لم أكسبكم الآن ولاية وامارة لا أفعل ذلك ابداً ، ومضى حتى دخل على يزيد (١) وقال له : انه ذهب أعيان اصحاب النبي صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم ، وكبراء قريش وذوو أسنانهم! (٢) وانما بقي أبناؤهم ، وأنت من أفضلهم! وأحسنهم رأياً! وأعلمهم بالسنة!! والسياسة! ، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟ قال : أَوَترى ذلك يتم؟ قال : نعم. فدخل على أبيه ، وأخبره بما قال المغيرة ، فأحضر المغيرة وقال له : ما يقول يزيد؟. فقال : يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان ، وفي يزيد خلف (! ) ، فاعقد له ، فان حدث بك حادث كان كهفاً للناس وخلفاً منك ، ولا تسفك دماءٌ (!! ). ولا تكون فتنة (!! ). قال : ومن لي بهذا؟ قال : أكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة ، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. قال : فارجع الى عملك ، وتحدث مع من تثق اليه في ذلك ، وترى ونرى.
« فودّعه ورجع الى أصحابه. فقالوا : مه؟. قال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد!! ، وفتقت عليهم فتقاً لا يرتق أبداً! (٣) ».
« وتواطأ معاوية مع رؤساء الوفود المناصحين له ، أن يخطبوا ويذكروا
__________________
١ ـ وذكر البيهقي في المحاسن والمساوئ ( ج ١ : ص ١٠٨ ) مناورة المغيرة بن شعبة هذه ، ولكنه رأى أو روى ان المغيرة ابتدأ بمعاوية اولاً ، وان معاوية لما وثق منه أرجعه الى عمله وقال له : « انصرف الى عملك ، وأحكم الامر لابن اخيك ، وأعاده على البريد يركض ( كذا ) ».
٢ ـ انظر الى مكانة السن في عرف المغيرة ..
٣ ـ كامل ابن الاثير ( ج ٣ : ص ١٩٨ ـ ٢٠١ ). وفي هذا الحديث ما يشعرك بروحية المغيرة بن شعبة ومدى غيرة هذا الصحابي ذي الفتوق على أمة محمد (ص)!.