أجلسك مجلسك الذي انت فيه ، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين ، رحلة الشتاء والصيف ، فوضعها اللّه عنكم بنا ، منةً عليكم!.
وقلت فيما قلت : لا تردَّ هذه الامة في فتنة. واني لا أعلم فتنة لها أعظم من امارتك عليها.
وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولامة محمد ، واني واللّه ما أعرف أفضل من جهادك ( أي : قتالك ) ، فان أفعل ، فانه قربة الى ربي ، وان لم أفعل ، فأستغفر اللّه لذنبي ، واسأله التوفيق لما يحب ويرضى.
وقلت فيما قلت : متى تكدني أكدك ، فكدني يا معاوية فيما بدا لك ، فلعمري لقديماً يُكاد الصالحون ، واني لارجو ان لا تضر الا نفسك ، ولا تمحق الا عملك ، فكدني ما بدا لك!.
« واتق اللّه يا معاوية! ، واعلم ان للّه كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها! واعلم ان اللّه ليس بناس لك قتلك بالظنة وأخذك بالتهمة ، وامارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب!!. ما أراك الا وقد أوبقت نفسك ، وأهلكت دينك ، وأضعت الرعية ، والسلام (١) ».
ثم قدم معاوية بعد ذلك الى المدينة ، ومعه خلق كثير من أهل الشام عدهم ابن الاثير بألف فارس. قال : « ثم دخل على عائشة ، وكان قد بلغها انه ذكر الحسين وأصحابه وقال : لاقتلنهم ان لم يبايعوا .. فقالت له فيما قالت : وارفق بهم فانهم يصيرون الى ما تحب ، ان شاء اللّه!! (٢) ».
وقال الدينوري (٣) بعد ذكره ورود معاوية الى المدينة : « ثم جلس معاوية صبيحة اليوم الثاني ، وأجلس كتابه بحيث يسمعون ما يأمر به ،
__________________
١ ـ ابن قتيبة ( ج ١ ص ٦٣ ـ ٦٥ ).
٢ ـ أقول : ولنا ان نفهم من هذه اللغة أن ام المؤمنين نفسها كانت قد صارت الى ما يحب معاوية من البيعة ليزيد!!
٣ ـ ( ج ١ ص ١٦٨ ـ ١٧٢ ).