أرسلها ارسالاً لا يتحسس من ورائه ذمةً ولا سؤالاً. وجاء الكوفة ، وسبق الى منبرها فذكر علياً ونال منه ، ثم نال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه ، فأخذ الحسن بيده فأجلسه ، ثم قام فقال ما شاء أن يقول من أسلوب حكيم ، ودعوة حق الى صراط مستقيم .. [ وقد مرّت خطبة الحسن بطولها وما قاله معاوية قبلها في الفصل (١٨) ].
وكان فيما هتف الناس به للحسن على خطابه وجوابه ، ما لم يرض له معاوية ، وهو اذ ذاك لا يزال ثملاً بخمرة الانتصار الموهوم ، فرأى أن ينظم حملة جديدة لتربيب الخلق الذي لا يُحسد عليه ـ خلق السباب والشتم والطعن في الناس ـ ، رغم أن المثالية الاسلامية تناقض هذا الخلق وتنكره على الناس وتدعوهم الى التراحم والتحابب والاخوة في الدين ، وتقول فيما تقول : « لا يكون المؤمن سباباً ولا فحّاشاً ولا طعاناً ولا لعاناً ».
« فقال ابو الحسن علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني في كتاب الاحداث : كتب معاوية نسخة واحدة بعد عام الجماعة ، أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب ـ يعني علياً عليهالسلام ـ وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر ، يلعنون علياً ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليهالسلام (١) ».
ودعا المغيرة بن شعبة وهو يريد أن يستعمله على الكوفة ـ بعد الصلح ـ فقال له : أما بعد. فان لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ، ولا يجزي عنك الحليم بغير التعليم ، وقد أردت ايصاءك بأشياء كثيرة ، انا تاركها ، اعتماداً على بصرك. ولست تاركاً ايصاءك بخصلة واحدة ، لا تترك شتم علي وذمه!! (٢) ».
ثم خلفَ المغيرة على الكوفة زياد « فكان يجمع الناس بباب قصره
__________________
١ ـ ابن ابي الحديد ( ج ٣ ص ١٥ ).
٢ ـ ابن الاثير ( ج ٣ ص ١٨٧ ) ، والطبري ( ج ٦ ص ١٤١ ).