بالعمل به. ولو كف معاوية لسانه عن النجوم من آل محمد (ص) الذين كان عليه ان يقتدي بهم ليهتدي ، لكف الناس ألسنتهم عنه وعن أمثاله من الظالمين ، ولماتت النعرات ولتم الصلح بصلاح المسلمين.
ولكنها كانت البذرة الخبيثة التي زرعها الرجل عامداً ، ثم تعاهدها هو وذووه بالتغذية والسَّقي ، فاذا بها شجرة العوسج في تاريخ الاسلام ، استغفلوا بها البسطاء ولبسوا بها على عقول الجهلاء ، وجعلوا من السبّة في التاريخ « سُنّة » في المسلمين ، يتنادون عليها ، ويحتفلون بها ، ويحتجون (١) على تركها اذا تركت!! ..
وما لمعاوية فيما قدم لنفسه من هذه الباقيات من عذر يرجى ، ولا فيما أخَّر لتاريخه من مجد يحسد عليه أو يطرى. واذا كان الدهاء هو فشل الانسان فيما قدّم وفيما أخّر ، فمعاوية أدهى الدهاة!.
وكان من أروع مظاهر الدهاء فيه موقفه من صلح الحسن عليهالسلام بما جرَّ عليه هذا الصلح من ويلات معنوية ونكبات تاريخية في حياته وبعد مماته!!.
وكان معنى الصلح في مفهوم الناس ، واعني الصلح الذي لج هو في تحصيله حتى أقام الدنيا وأقعدها ـ هو ان يُحطم السنان وان يكمَّ اللسان وان يكون كل وشأنه. وفق الحدود التي ستقررها المعاهدة فيما يتفق عليه الفريقان. وجاءت المادة الثالثة من اتفاقيتهما ، وهي صريحة بوجوب الكف عن السب ، فكان على معاوية ان يكف ، لو انه أراد الصلح حقيقة ، أو أراد الوفاء بالشروط كما يفرضه الذمام والعهد والايمان.
ولكن الرجل لم يطلب الصلح الا ليسرح الجنود ، وليأمن غائلة حربه مع الحسن ابن رسول اللّه (ص) ـ كما اشير اليه ـ ، لم يشأ ان يرجع في صلحه الى التزام المقررات ، أو الاكتراث بالمعاهدات ، فوقَّع الصلح ولكنه انما وقعه حبراً على ورق ، وحلف الايمان وأعطى المواثيق ولكنه
__________________
١ ـ سبق في الفصل ( ١٤ ) زيادة توضيح للبحث مع ذكر المصادر بأرقامها.