وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان اعظم الناس في ذلك بليةً القراء المراؤون ، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقرّبوا مجلسهم ، ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل ، حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث الى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها ، وهم يظنون انها حق ، ولو علموا انها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها (١) ».
وقال ابن أبي الحديد : « وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي .. أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليهالسلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة. ومن التابعين عروة بن الزبير (٢) ».
اقول : وشيء قليل من حيدة في النظر ودقة في الاستنتاج يكفينا للقناعة بألوان التصرفات الكيفية الواسعة النطاق التي نكب بها كل من حديث الاسلام وتاريخ أحداثه معاً. حتى لقد يعز على المتتبع في ماجريات الحوادث الاسلامية الاولى ان لا يجد قضية من مهمات القضايا الاسلامية يومئذ سلمت في تناسقها التاريخي من الاصطدام بالمفارقات البعيدة التي تغمرها بالشك ، ثم لا تزال تأخذ بها بين التيارات المتعاكسة ذات اليمين وذات الشمال.
ولا حاجة بنا بعد ذلك الى جمع الشهادات والتصريحات على شيوع الوضع (٣) وكثرة الوضاعين ، لان خير شهود كل شيء ما كان منه مباشرة.
وكانت قضية الحسن بن علي عليهماالسلام بملابساتها وذيولها احدى
__________________
١ و ٢ ـ ابن أبي الحديد ( ج ٣ ص ١٦ ) و ( ج ١ ص ٣٥٨ ).
٣ ـ وللعلامة الاميني النجفي في « كتاب الغدير » ( ج ٥ من ص ١٨٥ الى ٣٢٩ ) بحثه القيم عن الوضاعين الكذابين جمع فيه ستمائة وعشرين كذاباً وضاعاً ممن سلكهم القوم في رواة الحديث والتاريخ. فليراجع.