وكان من بواعث هذه البادرة ـ هجرة علي الى الكوفة ـ ضعف موارد الحجاز ، واعتماده في موارده على غيرها ، وما من علة تتعرض لها دولة أضرّ من اعتمادها في الموارد على غيرها ، وكانت الكوفة وبلاد السواد تكفي نفسها وتفيض. وهذا عدا الاسباب العسكرية التي اضطرته لها الثورات المسلحة التي كانت تتخذ من بلاد الرافدين ميادين لاعمالها العدوانية.
وتقاطر على الكوفة ـ اذ هي عاصمة الخلافة ـ كبار المسلمين من مختلف الآفاق. وسكنتها القبائل العربية من اليمن والحجاز ، والجاليات الفارسية من المدائن وايران. وعمرت فيها الاسواق التجارية. وزهت فيها الدراسات العلمية. وأنشئت حولها الحدائق والبساتين والارباض والقريات. وأغفت على ذراعها أمجاد التاريخ والآداب والعلوم زمناً طويلاً.
وغلب على الكوفة تحت ظل الحكم الهاشمي التشيّع لعلي واولاده عليهمالسلام ، ثم لم يزل طابعها الثابت اللون. ووجد معه بحكم اختلاف العناصر التي يممت المصر الجديد أهواء مناوئه اخرى ، كانت بعد قليل من الزمن أداة الفتن في اكثر ما عصف بالكوفة من الزعازع التاريخية والرجّات العنيفة لها وعليها.
وجاءت بيعة الحسن عليهالسلام يوم بايعته الكوفة ، عند ملتقى الآراء من سائر العناصر الموجودة فيها يوم ذاك ، على أنها كانت قلَّ ما تلتقي على رأي.
وكان للحسن من اسلوب حياته في هذه الحاضرة ، مدى اقامته فيها ، ما جعله قبلة الانظار ومهوى القلوب ومناط الآمال ، وملأ أجواء المدينة الجديدة « عاصمة ابيه » بكرائم المكرمات التي تنتقل في آل محمد بالارث : جود يد ، وسجاحة خلق ، ونبل شعور ، وظرف شمائل ، وسعة حلم ، ورجاحة عقل وعلم وزهادة وعبادة. وضحك منبر الخلافة ـ في بحران