وقال عليهالسلام في خطبته القاصعة : ـ
( وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِهِ صلىاللهعليهوآله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاٰقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ .
وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاٰقِهِ عَلَماً وَ يَأْمُرُنِي بِالْإِقْتِدَاءِ بِهِ )(١) .
وحقّاً كان صلىاللهعليهوآله أعظم الناس في عظيم الأخلاق وكريم الشيَم .
وحسبُك من ذلك ما أصابه من قريش ..
فقد تألّبت عليه ، وجرّعته أنواع الغصص ، حتّى ألقَتْ عليه مشيمة الرحم القذرة ، وأدمت ساقه الشريف ، وكسرت رباعيّته المباركة ، وضيّقت عليه الحياة في شِعب أبي طالب ، وآذته أشدّ إيذاء ، وهجمت على داره لقتله في حرم الله تعالى مكّة المكرّمة ، حتّى ألجأته إلى مغادرة بلده وأهله ، وهجرته إلى المدينة .
ولم تتركه يرتاح حتّى في المدينة ، بل أجّجت عليه كلّ برهة حرباً شعواء ، وأرصدت لإيذائه أهل الظلم والجفاء ..
لكن بالرغم من جميع ذلك لمّا نصره الله تعالى عليهم ، وأظفره بهم في فتح مكّة قابلهم بأعظم إحسان وأكبر أمان .
حيث قال لهم : ـ ما تقولون إنّي فاعلٌ بكم ؟
قالوا : ـ خيراً ، أخٌ كريم ، وابن أخٍ كريم .
فقال صلىاللهعليهوآله : أقول لكم ما قال أخي يوسف عليهالسلام : لا تثريب عليكم اليوم ـ أي لا توبيخ ـ إذهبوا فأنتم الطلقاء .
حتّى أنّ صفوان بن اُميّة الذي كان من المشركين الذين آذوا النبيّ صلىاللهعليهوآله هرب إلى
__________________________________
(١) نهج البلاغة / الطبعة المصريّة / الخطبة ١٨٧ .