سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ، وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (١).
وهكذا تشير هذه الآيات الكريمة إلى شخصية إبراهيم الرضي الحليم ، تبدو وداعته وحلمه في ألفاظه وتعبيراته التي يحكي القرآن الكريم ترجمتها بالعربية ، وفي تصرفاته ومواجهته للجهالة من أبيه (٢) ، ويصف الله تعالى خليله إبراهيم بأنه كان صديقا نبيّا ، فجمع الله له بين الصديقية والنبوة ، فالصديق كثير الصدق ، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله ، المصدق بكل ما أمر بالتصديق به ، وذلك يستلزم العمل العظيم الواصل إلى القلب ، المؤثر فيه الموجب لليقين ، والعمل الصالح الكامل ، ولا غرو فإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، أفضل الأنبياء والمرسلين قاطبة بعد سيدنا ومولانا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب (٣).
وقال الإمام الرازي في التفسير الكبير : وإيراد الكلام يلفظ «يا أبت» في كل خطاب ، دليل على شدة الحب والرغبة في صونه عن العقاب ، وإرشاده إلى الصواب ، وقد رتب إبراهيم الكلام في غاية الحسن ، لأنه نبهه أولا إلى بطلان عبادة الأوثان ، ثم أمره باتباعه في الاستدلال وترك التقليد الأعمى ، ثم ذكره بأن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول ، ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام ، مع رعاية الأدب والرفق ، وقوله «إني أخاف» دليل على
__________________
(١) سورة مريم : آية ٤١ ـ ٤٨ ، وانظر : تفسير ابن كثير ٣ / ١٩٨ ـ ٢٠٠ ، تفسير القرطبي ص ٤١٤٩ ـ ٤١٥٣ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٦ ـ ٣٨ ، تفسير ابن ناصر السعدي ٥ / ٥٣ ـ ٥٦ ، في ظلال القرآن ٤ / ٢٣١٠ ـ ٢٣١٣ ، صفوة التفاسير ٢ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ، تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٧ ، تفسير البيضاوي ٢ / ١٦ ـ ١٨.
(٢) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣١١.
(٣) عبد الرحمن بن ناصر السعدي : تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ٥ / ٥٤ (مكة المكرمة ١٣٩٨ ه).