شدة تعلق قلبه بمصالحه ، قضاء لحق الأبوة (١).
غير أن أباه ، كما يقول الإمام البيضاوي ، قابل استعطافه ولطفه بالفظاظة وغلظة العناد ، فناداه باسمه ، ولم يقابل قوله «يا أبت» ب «يا ابني» وقدّم الخبر وصدره بالهمزة لانكار نفس الرغبة ، كأنها مما لا يرغب عنها عاقل (٢).
وهكذا تشير الآيات الكريمة بوضوح ، كيف راعى إبراهيم الخليل المجاملة والرفق والخلق الحسن كما أمر ، ففي الحديث «أوحى إلى إبراهيم إنك خليلي ، حسن خلقك ولو مع الكفار ، تدخل مداخل الأبرار» ، فطلب من أبيه أولا العلة في خطئه طلب منبه على تماديه ، موقظ لإفراطه وتناهيه ، لأن من يعبد أشرف الخلق منزلة ، وهم الأنبياء ، كان محكوما عليه بالغي المبين ، فكيف بمن يعبد حجرا أو شجرا لا يسمع ذكر عابده ، ولا يرى هيآت عبادته ، ولا يدفع عنه بلاء ، ويقضي له حاجة ، ثم ثني بدعوته إلى الحق مترفقا به ، متلطفا ، فلم يسم أباه بالجهل المفرط ، ولا نفسه بالعلم الفائق ، ولكنه قال : إن معي شيئا من العلم ليس معك ، وذلك علم الدلالة على الطريق السّوى ، فهب أني وإياك في مسير ، وعندي معرفة بالهداية دونك ، فاتبعني أنجك من أن تضل وتتيه ، ثم ثلث بنهيه عما كان عليه بأن الشيطان الذي عصى الرحمن الذي جميع النعم منه أوقعك في عبادة الصنم وزينها لك ، فأنت عابده في الحقيقة ، ثم ربع بتخويفه العاقبة وما يجره ما هو فيه من التبعية والوبال ، مع مراعاة الأدب حيث لم يصرح بأن العقاب لاحق به ، وأن العذاب لاحق به ، بل قال أخاف أن يمسك عذاب بالتفكير المشعر بالتقليل ، كأنه قال إني أخاف أن يصيبك نفيا من عذاب الرحمن ، وجعل ولاية الشيطان ودخوله في
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٢٦.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ / ١٧.