رتبة الطبقة العليا إلى رتبة من اتبعه من الطبقات السفلى ، وهذا مرجح لرد دعوته والتولي عنه ، والثالثة : عدم رؤية فضل له مع جماعته هؤلاء عليهم من قوة عصبية أو كثرة غالبة ، أو غير هذا من المزايا التي ترفع الأرذال من مقعدهم من السفلة ، فيهون على الأشراف مساواتهم في اتباعه.
والرابعة : أنهم بعد الإضراب أو صرف النظر عما ذكروا من التنافي والتعارض ، يرجحون الحكم عليه وعليهم بالكذب في هذه الدعوى ، وهذا هو المرجح الأقوى لرد الدعوة ، وقد أخروه في الذكر لأنهم لو قدموه لما بقي لذكر تلك العلل الأخرى وجه ، وهي وجيهة في نظرهم لا بد لهم من بيانها ، وهذه الأخيرة طعن لهم على نوح عليهالسلام أشركوه فيه مع اتباعه ، ولم يجابهوه به وحده ، ولم يجزموا به ، كما أنهم لم يجعلوه في طبقتهم من الرذالة (١).
وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) (٢) (، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ ، وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ، بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٣).
وكان رد نوح عليهالسلام على قومه ، كما جاء في القرآن الكريم : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ، وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ، وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً ، إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ، وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ،
__________________
(١) تفسير المنار ١٢ / ٥٣ (الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ١٩٧٥).
(٢) كرر القوم هذا الكلام مع نوح عليهالسلام كما جاء في سورة المؤمنين (آية ٢٤) ، كما كرره فرعون مع موسى وهارون عليهماالسلام ، كما جاء في الآيات ٤٥ ـ ٤٨ من نفس سورة المؤمنين.
(٣) سورة هود : آية ٢٧ ، وانظر : تفسير المنار ١٢ / ٥ ـ ٥٤ ، تفسير القرطبي ص ٣٢٥٠ ـ ٣٢٥٢ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٨٥ ـ ٦٨٦ ، تفسير النسفي ٢ / ١٨٥ ، تفسير الطبري ١٥ / ٢٩٥ ـ ٢٩٧ (دار المعارف ـ القاهرة ١٩٦٠).