وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً ، إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ، وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ، وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً ، اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ ، إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١).
ومع ذلك كله ، فلم ينته القوم عن غيّهم ، ولم يؤمنوا بنبيّهم ، وإنما تمادوا في الكفر والعصيان والتطاول على النبي الكريم صلىاللهعليهوسلم ، فاتهموه بالسفه والضلال ، قال تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ ، وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢) ، ثم اتهموه بالجنون ، قال تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (٣) ، وقال تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) (٤).
ثم اتهموه بكثرة الجدل والافتراء على الله ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٥) ، ولم تكف كل هذه الاتهامات الكذوب ، في نظر هؤلاء اللئام ، فإذا بهم يسخرون من النبي الكريم ويستهزءون ، قال تعالى : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ ، وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ، قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا ،
__________________
(١) سورة هود : آية ٢٨ ـ ٣١ ، وانظر : تفسير القرطبي ص ٣٢٥٣ ـ ٣٢٥٥ ، تفسير الطبري ١٥ / ٢٩٧ ـ ٣٠٣ ، تفسير المنار ١٢ / ٥٤ ـ ٥٨ ، تفسير النسفي ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٨٦ ـ ٦٨٧ (بيروت ١٩٨٦) ، صفوة التفاسير ٢ / ١٤ ـ ١٥ ، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ٣ / ١٩٥ ـ ١٩٧ (مكة المكرمة ١٣٩٨ ه).
(٢) سورة الأعراف : آية ٦٠ ـ ٦٢.
(٣) سورة القمر : آية ٩.
(٤) سورة المؤمنون : آية ٢٥.
(٥) سورة هود : آية ٣٢.