ثم يرحم أحدا من طوفان نوح حتى الأطفال ، أنه نفسه ـ فيما أظن ـ دليل على أن الغارقين إنما كانوا من قوم نوح ، وليس من كل بقاع الأرض ، ولنقرأ الحديث الشريف ـ حيث التركيز على كلمة قوم ـ «فلو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم أم الصبي».
ومنها (تاسعا) أن الذين ينادون بعالمية الطوفان (١) هم أنفسهم الذين يرون أن الفترة ما بين آدم ونوح عليهماالسلام ، تقارب عشرة قرون ، فإذا كان المراد بالقرن مائة سنة ـ كما هو معروف ـ فبينهما ألف سنة ، وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس ، فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة ، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين ، بل إن بعضهم يذهب إلى أنه ما كان في زمن نوح شبر من الأرض إلا وهناك إنسان يدعيه ، وهناك رواية تنسب إلى الإمام مالك ـ عن زيد بن أسلم ـ أن أهل ذلك الزمان قد ملئوا السهل والجبل ، فهل يتفق ذلك مع رأي آخر لهم هو أن العالم كان في تلك الفترة قليل السكان بدرجة يستطيع أن يبلغ فيها دعوته للناس كافة ، وبالتالي فإن الكافرين به قد انتشروا في كل أنحاء المعمورة ، مما يستدعي أن يكون الطوفان عاما
ثم ما علاقة ذلك بفكرة العشرة الأجيال ، أو رؤساء الآباء ، ما بين آدم ونوح التي جاءت في التوراة (٢) ، بل ما علاقة الأخيرة بالعشرة الحكام الذين سبقوا الطوفان ، كما يقدمهم المؤرخ البابلي بيروسوس (٣)؟
ومنها (عاشرا) أن الرواية التي تذهب إلى أن الطوفان قد حدث في العام الستمائة من حياة نوح ـ وتلك للعلم منقولة عن التوراة (٤) ـ وفي عام ٢٢٥٦ بعد هبوط آدم
__________________
(١) القرطبي : المرجع السابق ص ٣٢٥٩ ، وكذلك الطبري : المرجع السابق ص ١٧٨ ، ١٩٠ ، وكذلك ابن كثير : البداية والنهاية ص ١٠١.
(٢) تكوين ٥ : ٥ ـ ٣٢ ، وهم كالآتي : آدم وعاش ٩٣٠ سنة ، وشيث وعاش ٩١٢ سنة ، وأنوش وعاش ٩٠٥ سنة ، وقينان وعاش ٩١٠ سنة ، ومهلائيل وعاش ٨٩٥ سنة ، ويارد وعاش ٩٦٢ سنة ، وأخنوخ وعاش ٣٦٥ سنة ، ومتوشالح وعاش ٩٦٩ سنة ، ولامك وعاش ٥٩٥ سنة ، ونوح وعاش ٩٥٠ سنة.
(٣) ٠٢٣ j.finegan ,op.cit.,p.٠٣. وكذاG.A.Baton ,op.cit.,P ..
(٤) تكوين ٧ : ٦.