إلى الأرض ، ألا تكفي كل هذه السنين لإيجاد أقوام غير قوم نوح في هذه الدنيا؟ أم أن الأمر كان مقصورا على قوم نوح؟
وإذا كان طوفان نوح قد حدث في الفترة التي تسبق بداية العصر التاريخي في العراق القديم ، والتي يرى علماء الآثار أنها قد حدثت في حوالي عام ٢٧٠٠ ق. م (١) ، فإن عصور ما قبل الطوفان تزيد بآلاف السنين عما قدره علماء التوراة ، ونقله عنهم أصحاب هذه الروايات.
ومنها (حادي عشر) أن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم «قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ» (٢) ، ألا يفهم من قوله تعالى «أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ، وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ» أن هناك آخرين لم يشملهم طوفان نوح ، وأن الله سبحانه وتعالى سيمتعهم إلى حين ، ثم يمسهم عذاب أليم؟.
ومنها (ثاني عشر) أن المفسرين والمؤرخين الإسلاميين أنفسهم يكادون يجمعون على أن الطوفان إنما بدأ وانتهى في العراق القديم ، فهناك رواية مجاهد والشعبي التي تذهب إلى أن التنور إنما كان بأرض الكوفة ، ورواية قتادة من أنه كان بأرض الجزيرة ، فضلا عن رواية ثالثة تذهب إلى أن سفينة نوح قد بدأت رحلتها من «عين وردة» ، وعين وردة هذه ـ كما يقول ياقوت الحموي ـ رأس عين المدينة المشهورة في الجزيرة (٣) ، فإذا أضفنا إلى ذلك ما جاء في القرآن الكريم من أن سفينة نوح قد استوت على الجودي ـ والجودي جبل يقع شرق جزيرة ابن عمر إلى جانب دجلة عند الموصل ـ فإذا كانت كل هذه الأماكن التي ذكرت إنما تقع في العراق ، فمن البدهي أن رحلة سفينة نوح إنما بدأت وانتهت في العراق.
__________________
(١) G.Roux ,Ancient Iraq ,٦٦٩١ ,P.٩١١ ـ ٠٢١. وكذلك ـ Sir Leonard Woolley ,Excav ations At Ur ,P.٦١.
(٢) سورة هود : آية ٤٨.
(٣) ابن كثير : البداية والنهاية ص ١١١ ، وكذلك ابن الأثير : المرجع السابق ص ٧٠ وكذلك الطبري : المرجع السابق ص ١٩٠.