كما مر. والضمير يصلح للعود إليهم ، فاليهود قالوا عزير ابن الله ، والنصارى قالوا المسيح ابن الله ، والمشركون من العرب قالوا الملائكة بنات الله (سُبْحانَهُ) تنزيه له عن ذلك وتبعيد (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا وإبداعا وصنعا ، ومن جملتهم الملائكة وعزير والمسيح. والولد لا بد أن يكون من جنس الوالد ، ومن أين المناسبة بين واجب الوجود لذاته وممكن الوجود لذاته؟ اللهم إلا في مطلق الوجود ، وذلك لا يقتضي شركة في الحقيقة الخاصة بكل منهما. وقد يتخذ الولد للحاجة إليه في الكبر ورجاء الانتفاع بمعونته وذلك على الغني المطلق والقيوم الحق محال (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) التنوين عوض عن محذوف أي كل ما في السموات والأرض والقنوت في الأصل الدوام ثم الطاعة ، أو طول القيام أو السكوت فالمعنى أن دوام الممكنات واستمرارها جميعا به ولأجله وقيل : عن مجاهد وابن عباس مطيعون فسئل ما للكفار ، فأجاب : أنهم يطيعون يوم القيامة فسئل هذا للمكلفين. وقوله (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ) يعم المكلف وغيره ، فعدل إلى تفسير آخر قائلا المراد كونها شاهدة على وجود الخالق بما فيها من آثار القدرة وأمارات الحدوث ، أو كون جميعها في ملكه وتحت قهره لا يمتنع عن تصرفه فيها كيف يشاء. وعلى هذه الوجوه جمع السلامة في (قانِتُونَ) للتغليب ، أو يراد كل من الملائكة وعزير والمسيح عابدون له مقرون بربوبيته منكرون لما أضافوا إليهم من الولدية ، وعلى هذا الوجه يجمع على الأصل. يحكى أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال لبعض النصارى : لولا تمرد عيسى عن عبادة الله تعالى لصرت على دينه. فقال النصراني : كيف يجوز أن ينسب ذلك إلى عيسى مع جده في طاعة الله؟ فقال علي : إن كان عيسى إلها فالإله كيف يعبد غيره؟ وإنما العبد هو الذي يليق به العبادة فانقطع النصراني وبهت (بَدِيعُ) خبر مبتدأ محذوف أي هو بديع (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) عم أولا لأن الملكية والاختصاص لا يستلزم كون المالك موجدا للمملوك ، ثم خص ثانيا فقال بديع : بدع الشيء بالضم فهو بديع ، وأبدعته اخترعته لأعلى مثال ، وهذا من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها أي بديع سمواته وأرضه. وقيل : بمعنى المبدع كأليم بمعنى مؤلم وضعف ، ثم إنه تعالى بين كيفية إبداعه فقال : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أصل التركيب من «ق ض ى» يدل على القطع. قضى القاضي بهذا إذا فصل الدعوى ، وانقضى الشيء انقطع ، وقضى حاجته قطعها عن المحتاج ، وقضى الأمر إذا أتمه وأحكمه ، لأن إتمام العمل قطع له ، وقضى دينه أداه لأنه انقطع كل منهما عن صاحبه وضاق الشيء لأنه كأنه مقطوع الأطراف ، والأمر الشأن ، والفعل هاهنا ، ومعنى قضى أمرا أتمه أو حكم بأنه يفعله أو أحكمه قال :