التأويل : (الم) الألف إظهار الوحدة مطلقا ذاتا وصفة. فإن الألف واحد في ذاته وصفاته في وضع الحساب ، ومتفرد بالأولية والانقطاع عن غيره في وضع الحروف ، ويشير باستقامته وعدم تغيره في جميع الأحوال إلى عدم تغيره عن الوجود الوحداني أزلا وأبدا. فإن الألف مصدر جميع الحروف ، فإن من استقامته يخرج كل حرف معوج. ثم في اللام والميم المتصل كل حرف منهما بالآخر إثبات أن كل موجود سوى الوحدة موصوف بالإثنينية وذلك قسمان : قسم لم يكن فكان ثم يزول ، وقسم ما كان فكان ولا يزول. وهذان قسمان محدثان وموجدهما الواحد القديم الذي لا زال كان ولا يزال يكون وإليه الإشارة بالألف. وأما اللام فإشارة إلى القسم الذي لم يكن فكان ولا يكون باقيا وهو عالم الصورة والملك والأجساد. فوقوعه في المرتبة الثانية ، من الألف إشارة إلى أنه مسبوق بالوجود والألف سابق عليه ، والانكسار فيه يشير إلى تغيره وزواله. والميم إشارة إلى القسم الذي لم يكن فكان ولا يزال يبقى وهو عالم المعنى والملكوت والأرواح. وذلك أن الميم أول حرف من اسمه المبدئ وآخر حرف من اسمه القيوم ، فيشير إلى أنه كما أبدأه المبدئ حين لم يكن يقيمه القيوم حين كان لا يزال. وبوجه آخر الألف إشارة إلى وجود حقيقي قائم بذاته ، واللام يشير إلى إثبات ونفي. فالإثبات في لام التمليك (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والنفي في «لا» النافية أي لا وجود لشيء بالحقيقة سواه ، والميم يشير أيضا إلى إثبات ونفي. فالإثبات ميم اسمه القيوم والنفي «ما» النافية أي ما في الوجود حقيقة إلا هو. ودليل الوجهين في (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ف (اللهُ) إثبات ذات القديم ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) نفى الشرك عن وجوده وإثبات وحدته في وجوده و (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) إثبات جميع صفات كماله ونفي جميع سمات النقص عن ذاته. وقد أودع مجموع معاني هذه الآية في قوله (الم) فمعنى قوله (اللهُ) أودع في أول حرف من حروفه وهو الألف ، ومعنى قوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أودع في أول حرف من حروفه وهو اللام. ومعنى قوله (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) أودع في آخر حرف من حروفه وهو الميم. وإنما أودع في آخر حروفه هاهنا ليكون السر مودعا في الآية من أول حرفها إلى آخر حرفها مكتوما فيما بينهما. والحروف الثلاثة من قوله (الم) يكون الألف من أولها دالا على المعنى الذي هو في الكلمة الأولى وهي (اللهُ) واللام من أوسطها دالا على المعنى الذي في الثانية وهي (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) والميم من آخرها دالا على المعنى الذي هو مودع في الثالثة وهو (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فيكون الاسم الأعظم مودعا في (الم) كما روي عن سعيد بن جبير وغيره ، وهو سر القرآن وصفوته كما روي عن أبي بكر وعلي عليهالسلام. ثم إنه تعالى بعد أن أظهر أسرار ألوهيته المودعة في (الم) بقوله (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) أظهر ألطاف ربوبيته المكنونة في أستار العزة مع حبيبه محمد صلىاللهعليهوسلم