المؤيد بتأييد الحق بمرور كل أربعين عليه بشرائطها يحوّلها من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام إلى أن يرجع إلى حظائر القدس ورياض الأنس التي منها صدر إلى عالم الإنس ، فيتكون الجنين في رحم القلب وهو طفل خليفة الله في أرضه فيستحق الآن أن ينفخ فيه الروح المخصوص بأنبيائه وأوليائه (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [النحل : ٢] (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [المجادلة : ٢٢] فإذا نفخ فيه الروح يكون آدم وقته فيسجد له بالخلافة الملائكة كلهم أجمعون. الآيات المحكمات تنزيلها شرب الخواص والعوام لبسط الشرع والاهتداء ، والمتشابهات تأويلها شرب الخواص وخواص الخواص لإخفاء الأسرار عن الأغيار والابتلاء (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ألبست قلوبهم غطاء الريب وحرموا أنوار الغيب وهم أهل الأهواء والبدع (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) ليضلوا بأهوائهم (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) ليضلوا الناس بآرائهم (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) بما شاهدوا من أنوار الحق في تحقيق التأويل (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) بتوفيقه وإعلامه وتعريفه (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) الذين خرجوا في متابعة النبي صلىاللهعليهوسلم من ظلمات قشور وجودهم النفساني إلى نور لباب وجودهم الروحاني ، وهم الراسخون في قشور العلوم الكسبية الواصلون إلى حقائق لباب العلوم اللدنية من لدن حكيم خبير. وفي الآية إشارة إلى أن علوم الراسخين كلها بتعليم الله تعالى إياهم في الميثاق إذ تجلى بصفة الربوبية للذرّات ، وأشهدهم على أنفسهم بشواهد الربوبية ألست بربكم؟ فبشهود تلك الشواهد ركز في جبلة الذرّات علم التوحيد فقالوا : بلى. ويندرج في علم التوحيد كل العلوم كما قال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١] فلما ردّت الذرّات الى الأصلاب واحتجبت بصفات البشرية ، ثم نقلت إلى الأرحام وتنقلت بقدم الأربعينات من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام من مقامات البعد عن الحضرة إلى أن وضع الحمل ، وردت النفس العالمة بعلم التوحيد الناطقة به إلى أسفل سافلين القالب محتجبة بحجب البشرية ناسية تلك العلوم والتنطق بها. ثم أبواه يذكرانه تلك العلوم بالرموز والقرائن حتى يتذكر بعض تلك العلوم من وراء حجب البشرية وأستار الأطوار ، وينطق بلسان الأبوين لا بلسانه الذي أجاب به الرب وقال بلى ، فإن ذلك اللسان كان لب هذا اللسان وهذا قشر ذلك. وكذلك جميع وجود ظاهر الإنسان وباطنه قشور لباب ذلك الوجود المستمع المجيب في الميثاق. فسمعه قشر ذلك السمع الذي استمع خطاب الحق ، وبصره قشر ذلك البصر الذي أبصر جمال الحق ، وقلبه قشر ذلك القلب الذي فقه خطاب الحق ، وعلومه قشر تلك العلوم التي تعلمت من الحق. فالنبي صلىاللهعليهوسلم إنما بعث ليذكره حقيقة تلك العلوم التي كان أبواه يذكرانه قشرها كما قال (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [الغاشية : ٢١] فالتذكير عام ولكن التذكر خاص فلهذا قال (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا