وكذا الكلام في نزع الملك فإنه كما ينزع الملك من الظالم فقد ينزعه من العادل لمصلحة تقتضي ذلك. والنزع يكون بالموت وبإزالة العقل والقوى والقدرة والحواس وبتلف الأموال وغير ذلك. في بعض الكتب «أنا الله ملك الملوك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي ، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة. وإن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة ، فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم» وهذا كقوله صلىاللهعليهوسلم «كما تكونوا يولى عليكم» والصحيح أن الملك عام يدخل فيه النبوة والولاية والعلم والعقل والصحة والأخلاق الحسنة وملك النفاذ والقدرة وملك محبة القلوب وملك الأموال والأولاد إلى غير ذلك ، فإن اللفظ عام ولا دليل على التخصيص (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) كل من الإعزاز والإذلال في الدين أو في الدنيا ، ولا عزة في الدين كعزة الإيمان (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨] وفي ضده لا ذلة كذلة الكفر وعزة الدنيا كإعطاء الأموال الكثيرة من الناطق والصامت ، وتكثير الحرث وتكثير النتاج في الدواب وإلقاء الهيبة في قلوب الخلق ، وكل ذلك بتيسير الله تعالى وتقديره (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي بقدرتك يحصل كل الخيرات وليس في يد غيرك منها شيء. وإنما خص الخير بالذكر وإن كان بيده الخير والشر والنفع والضرّ ، لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة ، أي بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك ، أو لأن جميع أفعاله من نافع وضار لا يخلو عن حكمة ومصلحة وإن كنا لا نعلم تفصيلها فكلها خير ، أو لأن القادر على إيصال الخير أقدر على إيصال الشر فاكتفى بالأول عن الثاني. وللاحتراز عن لفظ الشر مع أن ذلك صار مذكورا بالتضمن في قوله : (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولأن الخير يصدر عن الحكيم بالذات والشر بالعرض فاقتصر على الخير. (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) وذلك بأن يجعل الليل قصيرا ويدخل ذلك القدر في النهار وبالعكس. ففي كل منهما قوام العالم ونظامه ، أو يأتي بالليل عقيب النهار فيلبس الدنيا ظلمته بعد أن كان فيها ضوء النهار ، ثم يأتي بالنهار عقيب الليل فيلبس الدنيا ضوأه. فالمراد بالإيلاج إيجاد كل منهما عقيب الآخر والأول أقرب إلى اللفظ ، فإن الإيلاج الإدخال فإذا زاد من هذا في ذلك فقد أدخله فيه. (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) المؤمن من الكافر (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [الأنعام : ٢٢] أي كافرا فهديناه. أو الطيب من الخبيث ، أو الحيوان من النطفة ، أو الطير من البيضة وبالعكس. والنطفة تسمى ميتا (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨] أو يخرج السنبلة من الحبة ، والنخلة من النواة وبالعكس. فإخراج النبات من الأرض يسمى إحياء (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) [الحديد : ١٧] (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) تقدم مثله في البقرة. وإذا كان كذلك فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم