ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم. ثم لما علم كيفية التعظيم لأمر الله أردفه بشريطة الشفقة على خلق الله ، أو نقول : لما ذكر أنه مالك الملك وبيده العزة والذلة والخير كله ، بيّن أنه ينبغي أن تكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه دون أعدائه فقال : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ) بالجزم ، ولكن كسر الذال للساكنين. قال الزجاج : ولو رفع على الخبر جاز ، ولكنه لم يقرأ. والخبر والطلب يقام كل منهما مقام الآخر. وقوله : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم على المؤمنين. عن ابن عباس قال : كان الحجاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد وهؤلاء كانوا من اليهود يباطنون نفرا من الأنصار يفتنونهم عن دينهم. فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء اليهود. فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فنزلت هذه الآية. وعن ابن عباس أيضا في رواية الضحاك : نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري وكان بدريا نقيبا ، وكان له حلفاء من اليهود. فلما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي الله ، إن معي خمسمائة رجل من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو فنزلت. وقال الكلبي : نزلت في المنافقين ـ عبد الله بن أبيّ وأصحابه ـ كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم. وقد كرر ذلك في آيات أخر كثيرة (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) [آل عمران : ١١٨] (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١] (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة : ٢٢] وكون المؤمن مواليا للكافر يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون راضيا بكفره والرضا بالكفر كفر فيستحيل أن يصدر عن المؤمن فلا يدخل تحت الآية لقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وثانيها المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر وذلك غير ممنوع منه. والثالث كالمتوسط بين القسمين وهو الركون إليهم والمعونة والمظاهرة لقرابة أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك ، ولهذا قال مقاتل : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ، وكانوا يظهرون المودّة لكفار مكة مع اعتقاد أن دينهم باطل ، فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهي عنه حذرا من أن يجره إلى استحسان طريقته والرضا بدينه حتى يخصه بالموالاة دون المؤمنين ، فلا جرم هدد فقال : (مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ) أي من ولايته أو من دينه (فِي شَيْءٍ) يقع عليه اسم الولاية يعني أنه منسلخ عن ولاية الله رأسا ، وهذا كالبيان لقوله : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ليعلم أن الاشتراك بينهم وبين المؤمنين في الموالاة غير متصوّر وهذا أمر معقول ، فإن موالاة الولي وموالاة عدوه ضدان قال :
تود عدوّي ثم تزعم أنني |
|
صديقك ليس النوك عنك بعازب |