يتغير بتغير الإحسان وهو لمتابعي الأعمال الذين يطمعون في الأجر على ما يعملون وفيه قال أبو الطيب :
وما أنا بالباغي على الحب رشوة |
|
ضعيف هوى يرجى عليه ثواب |
والثانية محبة الخواص المتبعين للأخلاق الذين يحبونه إعظاما وإجلالا له ، ولأنه أهل لذلك كما قالت رابعة :
أحبك حبين حب الهوى |
|
وحب لأنك أهل لذاكا |
ويضطر هذا المحب في هذه الدرجة إلى إيثار الحق على غيره ، وهذا الحب يبقى على الأبد بقاء الكمال والجلال على السرمد وفيه قال :
سأعبد الله لا أرجو مثوبته |
|
لكن تعبد إعظام وإجلال |
والثالثة محبة أخص الخواص المتبعين للأحوال وهي الناشئة من الجذبة الإلهية في مكان من «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف» وأهل هذه المحبة هم المستعدون لكمال المعرفة بسبق العناية ،
غذينا بالمحبة يوم قالت |
|
له الدنيا أتينا طائعينا |
وحقيقة هذه المحبة أن يفنى المحب بسطوتها وتبقى المحبة فيه بلا هو كما أن النار تفني الحطب بسطوتها وتبقى النار منه بلا هو. وحقيقة هذه المحبة نار لا تبقي ولا تذر. وأما درجات محبة الله للعبد فاعلم أن كل صفة من صفات الله تعالى من العلم والقدرة والإرادة وغيرها فإنها لا تشبه في الحقيقة صفات المخلوقين ، حتى الوجود فإنه وإن عم الخالق والمخلوق إلا أن وجوده واجب بنفسه ووجود غيره ممكن في ذاته واجب به ، فليس في الكون إلا الله وأفعاله. قرأ القارئ بين يدي الشيخ أبي سعيد بن أبي الخير رحمهالله قوله : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] فقال : بحق يحبهم لأنه لا يحب إلا نفسه فليس في الوجود إلا هو ، وما سواه فهو من صنعه. والصانع إذا مدح صنعه فقد مدح نفسه. والغرض أن محبة الله للخلق عائدة إليه حقيقة إلا أنه لما كان مرورها على الخلق فبحسب ذلك اختلفت مراتبها ، مع أنها صدرت عن محل واحد هو محل «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف» فما تعلقت إلا بأهل المعرفة وذلك قوله : «فخلقت الخلق لأعرف» لكنها تعلقت بالعوام من أهل المعرفة بالرحمة ومشربهم الأعمال فقيل لهم (فَاتَّبِعُونِي) بالأعمال الصالحة (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) يخصكم بالرحمة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم التي صدرت منكم على خلاف