سَمِيعٌ) لأقوال العباد (عَلِيمٌ) بضمائرهم وأفعالهم فيصطفي من خلقه من يعلم استقامته قولا وفعلا. ويحتمل أن يكون الكلام مع اليهود والنصارى الذين كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه تغريرا للعوام مع علمهم ببطلان هذا الكلام ، فيكون أول الكلام تشريفا للمرسلين وآخره تهديدا للمبطلين كأنه قيل : والله سميع لأقوالهم الباطلة ، عليم بأغراضهم الفاسدة فيجازيهم بحسب ذلك. ويحتمل أن يتعلق بما بعده كما في الوقوف.
التأويل : مالك الملك هو ملك الوجود فلا وجود بالحقيقة إلا له ، تؤتي الوجود من تشاء وتنزع الوجود ممن تشاء ، فتخلق بعض الموجودات مستعدا للبقاء كالملائكة والإنسان ، توجد بعضها قابلا للفناء كالنبات والحيوان غير الإنسان. (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بعزة الوجود النوري ، (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بذل القبض القهري ، بيدك الخير. (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تضمين للدعاء بذكر السبب كما يقال للجواد إنك الذي يقدر على إعطاء كل خير فأتنا وأعزنا يا مفيض كل خير ، ويا كاشف كل ضير. تولج ليل ظلمات الصفات البشرية النفسانية في نهار أنوار الصفات الروحانية وبالعكس ، تخرج القلب الحي بالحياة الحقيقية من النفس الميتة ، وتخرج القلب الميت عن الحياة الحقيقية من النفس الحية بالحياة المجازية الحيوانية. لا يتخذ القلب المؤمن والروح والسر وصفاتها الكافرين من النفس الأمّارة والشيطان والهوى والدنيا أولياء من دون المؤمنين من القلب والروح والسر ، ومن يفعل ذلك من القلوب فليس من أنوار الله وألطافه في شيء إلا أن تخافوا من هلاك النفوس. فالنفس مركب الروح فتواسوها كيلا تعجز عن السير في الرجوع وتهلك في الطريق من شدة الرياضات وكثرة المجاهدات. (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أي من صفات قهره (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) من معاداة الحق في ضمن موالاة النفس (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) قلوبكم (وَما فِي الْأَرْضِ) نفوسكم (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) أثر الخير والشر ظاهر في ذات المرء وصفاته ، وبحسب ذلك يبيض وجه قلبه أو يسود ولكنه في غفلة من هذا محجوب عنه بحجاب النفس والجسم كمثل نائم لدغته حية كحية الكفر والخصال الذميمة فلا يحس بها ما دام نائما نوم الغفلة ، فإذا مات انتبه وأحس ، ثم أخبر عن طريق الوصول أنه في متابعة الرسول. واعلم أن للاتباع ثلاث درجات ، ولمحبة المحب ثلاث درجات ، ولمحبة الله للمحب التابع على حسب الاتباع ثلاث درجات. أما درجات الاتباع فالأولى درجة عوام المؤمنين وهي متابعة أعماله صلىاللهعليهوسلم ، والثانية درجة الخواص وهي متابعة أخلاقه ، والثالثة درجة أخص الخواص وهي متابعة أحواله. وأما درجات محبة المحب فالأولى محبة العوام وهي مطالعة المنة من رؤية إحسان المحسن «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها» وهذا حب