التشديدات عنهم. كانوا قد حرم عليهم الشحوم والثروب ولحوم الإبل والسمك وكل ذي ظفر ، فأحل لهم عيسى من السمك والطير ما لا صيصية له. (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) شاهدة على صحة رسالتي وهي قوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) لأن جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه. وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) اعتراض وإنما جعل القول آية من ربه لأن الله تعالى جعله له علامة يعرف بها أنه رسول كسائر الرسل. ويجوز أن يكون تكريرا لقوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من المعجزات ومن ولادتي بغير أب. (فَاتَّقُوا اللهَ) لما جئتكم به من الآيات (وَأَطِيعُونِ) فإن طاعة الرسول من لوازم تقوى الله. ثم ختم كلامه بقوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) إظهارا للخضوع واعترافا بالعبودية وردا لما يدعيه عليه الجهلة من النصارى الضالين المنحرفين عن الصراط المستقيم.
القصة الخامسة ذكر عاقبة أمر عيسى ثم شرع في بيان أن عيسى لما شرح لهم تلك المعجزات فهم بماذا عاملوه فقال : (فَلَمَّا أَحَسَ) أي علم (عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس ، أو أنهم تكلموا بكلمة الكفر فأحس ذلك بأذنه. قال السدي : لما بعثه الله تعالى رسولا إلى بني إسرائيل جاءهم ودعاهم فتمردوا وعصوا فخافهم واختفى عنهم ، وكان أمر عيسى في قومه كأمر محمد صلىاللهعليهوسلم بمكة ، وكان مستضعفا فخرج هو وأمه يسيحان في الأرض ، فاتفق أنه نزل على رجل في قرية فأحسن ذلك الرجل ضيافته. وكان في تلك المدينة رجل جبار فجاء ذلك الرجل يوما نطعمه ونسقيه مع جنوده وهذا اليوم نوبتي والأمر متعذر عليّ. فلما سمعت مريم ذلك قالت : يا ولدي ادع الله ليكفي ذلك. فقال عليهالسلام : يا أمي إني إن فعلت ذلك كان فيه شر. فقالت : قد أحسن وأكرم ولا بد من إكرامه. فقال عيسى عليهالسلام : إذا قرب مجيء الملك فاملأ قدورك وخوابيك ثم أعلمني. فلما فعل دعا الله تعالى فتحول ما في القدور طبيخا ، وما في الخوابي خمرا. فلما جاءه الملك أكل وشرب وسأله من أين هذه الخمر؟ فتوقف الرجل في الجواب وتعلل ، فلم يزل يطالبه حتى أخبره بالواقعة فقال : إن من دعا الله حتى جعل الماء خمرا إذا دعاه حتى يحيي ولدي أجابه ـ وكان ابنه قد مات في تلك الأيام ـ فدعا عيسى عليهالسلام وطلب منه ذلك فقال له عيسى : لا تفعل فإنه إن عاش كان شرا عليه ـ فقال : ما أبالي ما كان فدعا الله فعاش الغلام لكلام عيسى عليهالسلام ، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح واقتتلوا وصار أمر عيسى عليهالسلام مشهورا وقصد اليهود قتله صلىاللهعليهوسلم وأظهروا الطعن فيه.