يسمى بلغة النبط هواري فعرّب. وأما أن الحواريين من هم فقيل : هم الذين يصطادون السمك فاتبعوا عيسى وآمنوا كما حكينا. وقيل : إن أمه دفعته إلى صبّاغ فكان إذا أراد أن يعلمه شيئا كان هو أعلم به منه فغاب الصبّاغ يوما لبعض مهماته فقال : هاهنا ثياب مختلفة وقد علمت على كل واحد علامة معينة فاصبغها بتلك الألوان. فطبخ عيسى عليهالسلام حبا واحدا وجعل الجميع فيه. وقال : كوني بإذن الله كما أريد. فرجع الصباغ وسأله فأخبره بما فعل فقال : قد أفسدت عليّ الثياب قال : قم فانظر. فكان يخرج ثوبا أحمر وثوبا أخضر وثوبا أصفر كما يريد. فتعجب الحاضرون منه وآمنوا فهم الحواريون. وقيل : كانوا اثني عشر اتبعوا عيسى وكانوا إذا جاعوا قالوا : يا روح الله جعنا فيضرب بيده على الأرض فيخرج لكل واحد رغيفان ، وإذا عطشوا قالوا : عطشنا فيضرب بيده على الأرض فيخرج الماء فيشربون فقالوا : من أفضل منا إذا شئنا أطعمتنا وإذا شئنا سقيتنا وقد آمنا بك؟ فقال : أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه. قال : فصاروا يغسلون الثياب فسموا حواريين. وقيل : إن واحدا من الملوك صنع طعاما وجمع الناس عليه ، وكان عيسى عليهالسلام على قصعة. فكانت القصعة لا تنقص. فذكروا هذه الواقعة لذلك الملك فقال : تعرفونه؟ قالوا : نعم. فذهبوا إليه بعيسى فقال : من أنت؟ قال : عيسى ابن مريم. قال : فإني أترك ملكي فأتبعك. فتبعه ذلك الملك مع أقاربه فأولئك هو الحواريون. قال القفال : يجوز أن يكون بعضهم من الملوك وبعضهم من الصيادين وبعضهم من القصارين ، وسموا جميعا بالحواريين لأنهم كانوا أنصار عيسى والمخلصين في محبته وطاعته. (آمَنَّا بِاللهِ) يجري مجرى السبب لقولهم : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) فإن الإيمان بالله يوجب نصرة دين الله والذب عن أوليائه والمحاربة مع أعدائه (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) منقادون لما تريده منا في نصرتك والذب عنك ، مستسلمون لأمر الله تعالى فيه. أو هو إقرار منهم بأن دينهم الإسلام وأنه دين كل الأنبياء عليهمالسلام ، وإنما طلبوا شهادته لأن الرسل يشهدون للأمم يوم القيامة. ثم تضرعوا إلى الله تعالى بقولهم : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) وهذا يقتضي أن يكون للشاهدين فضل يزيد على فضل الحواريين. فقال ابن عباس : أي مع محمد صلىاللهعليهوسلم وأمته لأنهم مخصوصون بأداء الشهادة (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] وعنه أيضا اكتبنا في زمرة الأنبياء لأن كل نبي شاهد لقومه (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة : ١٤٣] وقيل : اكتبنا في جملة من شهد لك بالتوحيد ولأنبيائك بالتصديق فقرنت ذكرهم بذكرك في قولك : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) [آل عمران : ١٨] وقيل : اجعلنا ممن هو مستغرق في شهود جلالك بحيث لا نبالي بما يصل إلينا من المشاق والآلام فيسهل علينا الوفاء بما التزمنا من