آية ، وغوصه فيها إلى الكعبين آية ، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية وإبقاء هذا الأثر دون آثار سائر الأنبياء آية لإبراهيم خاصة ، وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين وأهل الكتاب والملاحدة ألوفا من السنين آية. قال الزجاج : قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) من تتمة تفسير الآيات. وهذه الجملة وإن كانت من مبتدأ وخبر أو من شرط وجزاء إلا أنها في تقدير مفرد من حيث المعنى. فكأنه قيل : فيه آيات بينات وأمن من دخله كما لو قلت : فيه آية بينة من دخله كان آمنا كان معناه فيه آية بينة أمن من دخله. وهذا التفسير بعد تصحيحه مبني على أن الاثنين جمع كما قال صلىاللهعليهوسلم : «الاثنان فما فوقهما جماعة» وفي القرآن (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) [الحج : ١٩] وقيل : ذكر آيتان وطوى ذكر غيرهما. دلالة على تكاثر الآيات كأنه قيل : فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله وكثير سواهما. ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «حبب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة» (١) ومنهم من تمم الثلاثة فقال : مقام إبراهيم وأمن من دخله وإن لله على الناس حجه. وقال المبرد : مقام مصدر فلم يجمع والمراد مقامات إبراهيم هي ما أقامه من المناسك ، فالمراد بالآيات شعائر الحج. وقرأ ابن عباس وأبي ومجاهد وأبو جعفر المدني في رواية قتيبة آية بينة على التوحيد قاله في الكشاف. وفيه توكيد لكون مقام إبراهيم وحده بيانا. وأما حديث «أمن من دخله» فقد مر اختلاف العلماء فيه في سورة البقرة في قوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة : ١٢٥] وقيل : كان آمنا من النار لما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا» وعنه صلىاللهعليهوسلم : «الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة» وهما مقبرتا مكة والمدينة. وعن ابن مسعود : وقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ثنية الحجون وليس بها يومئذ مقبرة فقال : «يبعث الله من هذه البقعة ومن هذا الحرم كله سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر» وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام». (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) لما ذكر فضائل البيت أردفه بإيجاب الحج وفيه لغتان : الفتح لغة الحجاز ، والكسر لغة نجد ، وكلاهما مصدر كالمدح والذم والذكر والعلم. وقيل : المكسور اسم للعمل ، والمفتوح مصدر. ومحل (مَنِ اسْتَطاعَ) خفض على البدل (عَلَى النَّاسِ) والمعنى : ولله على من استطاع من الناس حج البيت. وقال الفراء : يجوز أن ينوي الاستئناف بمن والخبر ، أو الجزاء محذوف لدلالة ما قبله عليه والتقدير : من استطاع إليه سبيلا فلله عليه حج البيت. وقال ابن الأنباري : يحتمل أن يكون محله رفعا على البيان
__________________
(١) رواه النسائي في كتاب عشرة النساء باب ١. أحمد في مسنده (٣ / ١٢٨ ، ١٩٩) بدون لفظ «ثلاث».