كأنه قيل : من الناس الذين عليهم لله حج البيت؟ فقيل : هم من استطاع. والضمير في (إِلَيْهِ) للبيت أو الحج. واستطاعة السبيل إلى الشيء هي إمكان الوصول إليه. واحتج أصحاب الشافعي بالآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع لأن الناس يعم المؤمن والكفار وعدم الإيمان لا يصلح أن يكون معارضا ومخصصا لهذا العموم لأن الدهري مكلف بالإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم. مع أن شرط صحة الإيمان بمحمد غير حاصل ، والمحدث مكلف بالصلاة مع أن الوضوء الذي هو شرط صحة الصلاة ليس بحاصل. واحتج جمهور المعتزلة بالآية على أن الاستطاعة قبل الفعل لأنها لو كانت مع الفعل لكان من لم يحج لم يكن مستطيعا للحج فلا يتناوله التكليف المذكور وذلك باطل بالاتفاق. أجاب الأشاعرة بأن هذا أيضا لازم عليكم لأن القادر إما أن يكون مأمورا بالفعل قبل حصول الداعي إلى الفعل وهو محال لأنه تكليف بما لا يطاق ، أو بعد حصوله وحينئذ يكون الفعل واجب الحصول فلا يكون في التكليف به فائدة. وإذا كانت الاستطاعة منتفية في الحالين وجب أن لا يتوجه التكليف. والحق أن وجوب الفعل بالقدرة والإرادة لا ينافي توجيه التكليف إليه.
واعلم أن الحج لا يجب بأصل الشرع في العمر إلا مرة واحدة لما روي عن ابن عباس قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج. فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال : لو قلتها لو جبت ولو وجبت لم تعملوا بها. الحج مرة فمن زاد فتطوع» (١) وقد يجب أكثر من مرة واحدة لعارض كالنذور والقضاء. ولصحة الحج على الإطلاق شرط واحد وهو الإسلام ، فلا يصح حج الكافر كصومه وصلاته. ولا يشترط فيها التكليف بل يجوز للولي أن يحرم عن المجنون وعن الصبي الذي لا يميز وحينئذ يصح حجهما لما روي عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم مر بامرأة وهي في محفتها ، فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت : ألهذا حج؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : نعم ولك أجر. وعن جابر قال : حججنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. ولصحة المباشرة شرط زائد على الإسلام وهو التمييز. فلا تصح مباشرة الحج من المجنون والصبي الذي لا يميز كسائر العبادات ، ويصح من الصبي المميز أن يحرم ويحج بإذن الولي ، ولا يشترط فيها الحرية كسائر العبادات. ولوقوعه عن حجة الإسلام شرطان زائدان : البلوغ والحرية لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام ، وأيما عبد
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة ٥ باب ١٥. النسائي في كتاب المناسك باب ١. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٢. الدارمي في كتاب المناسك باب ٤. أحمد في مسنده (١ / ٢٥٥ ، ٢٩١).