تدخلوا الجنة ولم تجاهدوا بعد. وإنما أنكر هذا الحسبان لأنه تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة ، وأوجب الصبر على تحمل متاعبها ، وبين وجوه المصالح المنوطة بها في الدين والدنيا. وإذا كان كذلك فمن البعيد أن يصل الإنسان إلى السعادة والجنة مع إهمال مثل هذه الطاعة. والواو في قوله : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) واو الجمع في قولهم : لا تأكل السمك وتشرب اللبن. كأنه قيل : إن دخول الجنة وترك المصابرة على الجهاد مما لا يجتمعان فليس كل من أقر بدين الله كان صادقا ، ولكن الفيصل فيه تسليط المكروهات ومخالفات النفس فإن الحب هو الذي لا ينقص بالجفاء ولا يزداد بالوفاء. وقيل : التقدير أظننتم أن تدخلوا الجنة قبل أن يعلم الله المجاهدين وأن يعلم الصابرين؟ ووجه آخر وهو أن يكون مجزوما أيضا لكن الميم لما حركت للساكنين حركت بالفتحة اتباعا للفتحة قبلها. وهذا كما قرىء (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) بفتح الميم إلا أن يراد ولما يعلمن بالنون الخفيفة ثم حذفت. وقرأ الحسن (وَيَعْلَمَ) بالجزم على العطف. وروي عن أبي عمرو (وَيَعْلَمَ) بالرفع على الحال كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) الخطاب فيه للذين ألحوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الخروج إلى المشركين وكان رأيه في الإقامة بالمدينة. ويراد بالموت سببه وهو الجهاد والقتل. قال المحققون : إنه لم يكن تمنيهم للموت تمنيا لأن يقتلوا لأن قتل المشركين لهم كفر. ولا يجوز للمؤمن أن يتمنى الكفر أو يريده أو يرضى به ، بل إنما تمنوا لفوز بدرجات الشهداء والوصول إلى كراماتهم. وشبهوا ذلك بمن شرب دواء الطبيب النصراني فإن غرضه حصول الشفاء. ولا يخطر بباله جر منفعة وإحسان إلى عدو الله وتنفيق صناعته. قالت الأشاعرة هاهنا : من أراد شيئا أراد ما هو من لوازمه ، وثواب الشهداء لا يحصل إلا بالشهادة ، ولا ريب أنه تعالى أراد إيصال ثواب الشهداء إلى المؤمنين ، ولهذا ورد من الترغيبات ما ورد فأراد صيرورتهم شهداء ، ولن يصيروا شهداء إلا إذا قتلهم الكفار فلا بد أن يريد أن يقتلهم الكفار وذلك القتل كفر ومعصية ، فثبت أنه تعالى مريد للكفر والإيمان والطاعة والعصيان. (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته وصعوبة مقاساته. (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) قال الزجاج : أي وأنتم بصراء كقولهم : رأيته بعيني أي رأيتموه معاينين حين قتل بين أيديكم من قتل من إخوانكم وشارفتم أن تقتلوا. ويحتمل أن يراد رأيتم إقدام القوم وشدة حرصهم على قتلكم وعلى قتل الرسول ، ثم بقيتم أنتم تنظرون إليهم من غير جد في دفعهم ولا اجتهاد في مقاتلتهم ، وفيه توبيخ لهم على تمنيهم الجهاد وعلى إلحاحهم في الخروج إليه ، ثم انهزامهم وقلة ثباتهم عنده. قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : لما نزل النبي صلىاللهعليهوسلم بالشعب أمر الرماة أن يلزموا أصل الجبل ولا ينتقلوا سواء كان الأمر لهم أو عليهم. فلما وقفوا وحملوا على الكفار هزموهم وقتل علي عليه