والمعنى ما كان لنفس أن تموت بالقتل إلا بأن يخلي الله بين القاتل والمقتول. وفيه أنه تعالى لا يخلي بين نبيه وبين أحد ليقتله صلىاللهعليهوسلم ، ولكنه جعل من بين يديه صلىاللهعليهوسلم ومن خلفه رصدا ليتم على يديه بلاغ ما أرسله به فلا تهنوا في غزواتكم بعد ذلك بإرجاف مرجف. وقيل : الإذن العلم أي لن تموت نفس إلا في الوقت الذي علم الله موتها فيه. وفي الآية دليل على أن المقتول ميت بأجله ، وأن تغيير الآجال ممتنع ولذا أكد هذا المعنى بقوله : (كِتاباً مُؤَجَّلاً) وهو مصدر مؤكد لنفسه لدلالة ما قبله عليه أي كتب الموت كتابا مؤجلا مؤقتا له أجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر. وقيل : الكتاب المؤجل هو المشتمل على الآجال. وقيل : هو اللوح المحفوظ الذي كتب فيه جميع الحوادث من الخلق والرزق والأجل والسعادة والشقاوة. قال القاضي : الأجل والرزق مضافان إلى الله تعالى ، وأما الكفر والفسق والإيمان والطاعة فكل ذلك مضاف إلى العبد. فإذا كتب تعالى ذلك فإنما يكتب ما يعلمه من اختيار العبد وذلك لا يخرج فيه العبد من أن يكون مذموما أو ممدوحا. والحق أن هذا تعكيس للقضية فإن الله تعالى إذا علم من العبد الكفر استحال أن يأتي هو بالإيمان وإلا انقلب علم الله جهلا ، وإذا كان هو غير قادر على الإيمان حينئذ فما معنى اختياره؟ ثم إنه كان في الذين حضروا يوم أحد من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة كما أخبر الله تعالى في هذه السورة فقوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) أي من ثوابها تعريض بالفريق الدنيوي وهم الذين شغلتهم الغنائم ، وباقي الآية مدح للفريق الآخر الأخروي ، وإن فضله تعالى وعطيته شامل لكلا الفريقين ، لكن ثواب الفريق الثاني هو المعتمد به في الحقيقة ولهذا ختم الكلام بقوله : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) فأبهم الجزاء وأضافه إلى نفسه تنبيها على أن جزاء الذين شكروا نعمة الإسلام فلم يشغلهم عن الجهاد شيء لا يكتنه كنهه وتقصر عنه العبارة ، وأنه كما يليق بعميم فضله وجسيم طوله. وهذه الآية وإن وردت في الجهاد لكنها عامة في جميع الأعمال كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إنما الأعمال بالنيات» (١) وذلك لأن المؤثر في جانب الثواب والعقاب القصود والدواعي. فمن وضع الجبهة على الأرض والوقت ظهر والشمس أمامه ، فإن قصد بذلك السجود عبادة الله تعالى كان من الإيمان ، وإن قصد تعظيم الشمس كان من الكفر.
(وَكَأَيِّنْ) الأكثرون على أنها في الأصل مركبة من كاف التشبيه و «أي» التي هي في غاية الإبهام إذا قطعت عن الإضافة. كما أن «كذا» مركبة من «الكاف» و «ذا» المقصود به
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب بدء الوحي باب ١ ، كتاب الإيمان باب ٤١. مسلم في كتاب الإمارة حديث ١٥٥. أبو داود في كتاب الطلاق باب ١١. الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ١٦. النسائي في كتاب الطهارة باب ٥٩. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٢٦. أحمد في مسنده (١ / ٢٥).