وقوع الموت أو القتل فلا تأثير له في ضعف الدين ووجوب الإدبار أو الارتداد (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) بل لا يضر إلا نفسه ، وهذا كما يقول الوالد لولده عند العتاب إن هذا الذي تأتي به من الأفعال لا يضر السماء والأرض. يريد أنه يعود ضرره عليه. وما ارتد أحد من المسلمين ذلك اليوم إلا ما كان من قول المنافقين. ويجوز أن يكون على وجه التغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار والانكشاف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. روي أنه لما صرخ الصارخ قال بعض المسلمين : ليت عبد الله بن أبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان. وقال ناس من المنافقين : لو كان نبيا لما قتل ، ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم. فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك : يا قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت. وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه. ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل. وعن بعض المهاجرين أنه مر بأنصاري يتشحط في دمه فقال : يا فلان ، أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال : إن كان قتل فقد بلغ قاتلوا على دينكم. ففي أمثالهم قال تعالى : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) لأنهم شكروا نعمة الإسلام فيما فعلوا من الصبر والثبات. ثم قال : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ) ووجه النظم أن المنافقين أرجفوا أن محمدا قتل فارجعوا إلى ما كنتم عليه من الأديان ، فأبطل قولهم بأن القتل مثل الموت في أنه لا يحصل إلا في الوقت المقدر. وكما أنه لو مات في بلده لم يدل ذلك على فساد دينه فكذا لو قتل. وفيه تحريض المؤمنين على الجهاد بإعلامهم أن الحذر لا يغنى عن القدر ، وأن أحدا لا يموت قبل الأجل وإن خوّض المهالك واقتحم المعارك. أو الغرض بيان حفظة وكلاءته لنبيه فإنه ما بقي في تلك الواقعة سبب من أسباب الهلاك والشر إلا وقد حصل إلا أنه تعالى لما كان حافظا لنبيه ولم يقدّر في ذلك الوقت أجله لم يضره ذلك. وفيه تقريع لأصحابه أنهم قد قصروا في الذب عنه صلىاللهعليهوسلم ، وجواب عما قاله المنافقون للصحابة لما رجعوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. قال الأخفش والزجاج : تقدير الكلام وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله. وقال ابن عباس : الإذن هو قضاء الله وقدره فإنه لا يحدث شيء إلا بمشيئة الله وإرادته ، فأورد الكلام على سبيل التمثيل كأنه فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا أن يأذن الله فيه ، وذلك أن إسناد الموت إلى النفس نسبة الفعل إلى القابل لا إلى الفاعل ، فأقيم القابل مقام الفاعل. وقال أبو مسلم : الإذن هو الأمر. والمعنى أن الله تعالى يأمر ملك الموت بقبض الأرواح فلا يموت أحد إلا بهذا الأمر. وقيل : المراد التكوين والتخليق لأنه لا يقدر على خلق الموت والحياة أحد إلا الله. وقيل : التخلية والإطلاق وترك المنع بالقهر والإجبار.