المخالفة سببا لانهزام عسكر الإسلام ولقتل جم غفير من الصحابة. ثم إن ظاهر الآية دل على أنه تعالى قد عفا عنهم من غير توبة لأنها غير مذكورة فصارت الآية دليلا على أنه قد يعفو عن أصحاب الكبائر. (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يتفضل عليهم بالعفو أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال ، سواء كانت الدولة لهم أو عليهم ، لأن الابتلاء رحمة كما أن النصرة رحمة. وقد يستدل بالآية على أن صاحب الكبيرة مؤمن لأنه سماهم مؤمنين خلاف ما يقوله المعتزلة من أنه لا مؤمن ولا كافر.
قوله سبحانه : (إِذْ تُصْعِدُونَ) إما مستأنف بإضمار «واذكر» ، وإما أن يتعلق بما قبله أي عفا عنكم إذ تصعدون ، لأن ما صدر عنهم من مفارقة ذلك المكان والأخذ في الوادي كالمنهزمين ذنب اقترفوه. أو المعنى ليبتليكم إذ تصعدون ، أو ثم صرفكم حين إصعادكم ، والإصعاد الذهاب في الأرض والإبعاد فيها. قال أبو معاذ النحوي : كل شيء له أسفل وأعلى كالوادي والنهر والأزقة فيقال فيه أصعد إذا أخذ من أسفله إلى أعلاه ، وأما ما ارتفع كالسلم والجبل فإنه يقال صعد. (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) لا تلتفتون إليه. وأصله أن المعرّج على الشيء يلوي إليه عنقه أو عنان دابته. (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) كان يقول : إليّ عباد الله ، أنا رسول الله من كرّ فله الجنة. فيحتمل أنه كان يدعوهم إلى نفسه حتى يجتمعوا عنده ولا يتفرقوا ، ويحتمل أنه كان يدعوهم إلى محاربة العدو. (فِي أُخْراكُمْ) في ساقتكم وجماعتكم الأخرى ، لأن القوم بسبب الهزيمة قد تقدموه صلىاللهعليهوسلم وبقي هو في الجماعة المتأخرة. يقال : جئت في آخر الناس وأخراهم كما تقول في أوّلهم وأولاهم بتأويل مقدمتهم وجماعتهم الأولى. (فَأَثابَكُمْ) قال في الكشاف : إنه عطف على صرفكم. وأقول : لا يبعد أن يعطف على (تُصْعِدُونَ) لأنه بمعنى أصعدتم بدليل أن يقال : ثاب إليه أي رجع. والمرأة تسمى ثيبا لأن واطئها عائدا إليها. فأصل الثواب كل ما يعود إلى الفاعل من جزاء فعله خيرا كان أو شرا إلا أن العرف خصه بالخير. فإن حملنا لفظ الآية على أصل اللغة استقام بلا تأويل ، وإن حملناه على مقتضى العرف كان واردا على سبيل التهكم كقولهم : عتابك السيف وتحيتك الضرب. أي جعل مكان ما يرجون من الثواب الغم وهو في الأصل التغطية ومنه الغمام ، فكأن الغم يستر وجه اللذة والسرور. والباء في (بِغَمٍ) يحتمل أن تكون بمعنى المعاوضة نحو : بعت هذا بذاك ، ويحتمل أن تكون بمعنى المصاحبة. أما الاحتمال الأول ففيه وجوه : قال الزجاج : إنكم لما أذقتم الرسول غما بسبب عصيان أمره ، أذاقكم الله غم الانهزام. وقيل : المجازاة والمعنى جازاكم من ذلك الغم بهذا الغم. وقال الحسن : يريد غم يوم أحد للمسلمين بغم يوم بدر للمشركين. وفي الكشاف : يجوز أن يكون الضمير في (فَأَثابَكُمْ)