هذا القيد فوائد أخر منها : أنه يأمر عقبه بالإحسان إلى اليتامى والنسوان ، وكونهم متفرعين من أصل واحد وأرومة واحدة أعون على هذا المعنى ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها» (١). ومنها أنهم إذا عرفوا ذلك تركوا المفاخرة وأظهروا التواضع وحسن الخلق. ومنها أن تصوّر ذلك يذكر أمر المعاد فليس الإعادة بأصعب من الإبداء. ومنها أنه إخبار عن الغيب فيكون معجزا للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه لم يقرأ كتابا. وأجمع المفسرون على أن المراد بالنفس الواحدة هاهنا هو آدم عليهالسلام ، والتأنيث في الوصف نظرا إلى لفظة النفس. (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) حواء من ضلع من أضلاعها. وقال أبو مسلم : المراد وخلق من جنسها زوجها لقوله (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [النحل : ٧٢] ولأنه تعالى قادر على خلق حواء من التراب فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضلاع آدم؟ والجواب أن الأمر لو كان كما ذكره أبو مسلم لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة وهو خلاف النص وخلاف ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم «أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فإن ذهبت تقيمها كسرتها» (٢) احتج جمع من الطبائعيين بالآية على أن الحادث لا يحدث إلا عن مادة سابقة ، وإن خلق الشيء عن العدم المحض والنفي الصرف محال. والجواب أنه لا يلزم من إحداث شيء في صورة واحدة من المادة لحكمة أن يتوقف الإحداث على المادة في جميع الصور. قال في الكشاف : قوله : (وَخَلَقَ مِنْها) معطوف على محذوف أي أنشأها وخلق منها ، أو معطوف على (خَلَقَكُمْ) والخطاب للذين بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أي خلقكم من نفس آدم لأنهم من جنس المفرع منه ، وخلق منها أمكم حواء (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) غيركم من الأمم الفائتة للحصر. أقول : وإنما التزم الإضمار في الأول والتخصيص في الثاني دفعا للتكرار ، ولا تكرار بالحقيقة إذ لا يفهم من خلق بني آدم من نفس خلق زوجها منه ولا خلق الرجال والنساء من الأصلين جميعا. نعم لو كان المراد بقوله : (وَخَلَقَ مِنْها) إلى آخره بيان الخلق الأول وتفصيله ، لكان الأولى عدم دخول الواو إلا أن المراد وصف ذاته تعالى بالأوصاف الثلاثة جميعا من غير ترتيب يستفاد من النسق وإلا كان الأنسب أن يقال : «فبث» بالفاء. فدل العطف بالواو في الجميع على أن المراد هو ما ذكرنا ، وأن
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب ١٢ ، ١٦. مسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث ٩٣ ، ٩٤. أبو داود في كتاب النكاح باب ١٢. الترمذي في كتاب المناقب باب ٦٠. ابن ماجه في كتاب النكاح باب ٥٦. أحمد في مسنده (٤ / ٥ ، ٣٢٦).
(٢) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ١. مسلم في كتاب الرضاع حديث ٦١ ، ٦٢. الدارمي في كتاب النكاح باب ٣٥. أحمد في مسنده (٥ / ٨).