والرحم. وقرئ (وَالْأَرْحامَ) بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي والأرحام كذلك أي أنها مما يتقى ويتساءل به. فإن قيل : لم قال أولا (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) ثم قال بعده (وَاتَّقُوا اللهَ)؟ قلنا : أما تكرار الأمر فللتأكيد كقولك للرجل : عجل عجل. وأما تخصيص الرب بالأول والله بالثاني فلأن الغرض في الأول الترغيب بتذكير النعمة والإحسان والتربية ، وفي الثاني الترهيب. ولفظ الله يدل على كمال القدرة والقهر فكأنه قيل : إنه رباك وأحسن إليك فاتق مخالفته وإلا فإنه شديد العقاب فاتق سخطه. قال العلماء : في الآية دليل على جواز المسألة بالله. روى مجاهد عن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من سألكم بالله فأعطوه» (١). وعن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسبع منها إبرار القسم. ولا يخفى ما في الآية من تعظيم حق الرحم وتأكيد النهي عن قطعها حيث قرن الأرحام باسمه ، وقال في سورة القرة : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى) [البقرة : ٨٣]. وعن عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : قال الله عزوجل : «أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته» (٢) وفي الصحيحين عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» (٣). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ليس الواصل بالمكافىء الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها» (٤) عن سلمان بن عامر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة» (٥). فثبت بدلالة الكتاب والسنة وجوب صلة الرحم واستحقاق الثواب بها ، فلهذا بنى أصحاب أبي حنيفة على هذا الأصل مسألتين : إحداهما أن الرجل إذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه مثل الأخ والأخت والعم والخال لأنه لو بقي الملك حل الاستخدام بالإجماع ، لكن الاستخدام إيحاش وقطيعة رحم. والثانية أن الهبة لذي الرحم المحرم لا يجوز الرجوع فيها حذرا من
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب الأدب باب ١٠٨. النسائي في كتاب الزكاة باب ٧٢. أحمد في مسنده (٢ / ٦٨ ، ٩٦).
(٢) رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب ٤٥. الترمذي في كتاب البر باب ٩. أحمد في مسنده (١ / ١٩١ ، ١٩٤).
(٣) رواه مسلم في كتاب البر حديث ١٧. أحمد في مسنده (٢ / ١٦٣).
(٤) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١٥. أبو داود في كتاب الزكاة باب ٤٥. الترمذي في كتاب البر باب ١٠. أحمد في مسنده (٢ / ١٦٣ ، ١٩٠).
(٥) رواه الترمذي في كتاب الزكاة باب ٢٦. النسائي في كتاب الزكاة باب ٢٢. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب ٢٨. الدارمي في كتاب الزكاة باب ٣٨. أحمد في مسنده (٤ / ١٧ ، ١٨).