أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) [النساء : ١١٠] (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ) [النساء : ١٤٧] اللهم لا تحرمنا مواعيدك إنك لا تخلف الميعاد.
ثم إنه لما ذكر ابتغاء النكاح بالأموال وأمر بإيفاء المهر والنفقات بيّن عقيب ذلك أنه كيف يتصرف في الأموال فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) بما لا يبيحه الشرع بوجه وقد مر تفسيره في البقرة في قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨] (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وقد سبق مثله في آخر البقرة. وخص التجارة بالذكر وإن كان غير ذلك من الأموال المستفادة بنحو الهبة والإرث وأخذ الصدقات والمهور وأروش الجنايات حلالا ، لأنّ أكثر أسباب الرزق يتعلق بالتجارة. ويدخل تحت هذا النهي أكل مال الغير بالباطل ، وأكل مال نفسه بالباطل كما أن قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) يدل على النهي عن قتل غيره وعن قتل نفسه. قال أبو حنيفة : النهي في المعاملات لا يدل على البطلان. وقال الشافعي : يدل لأن الوكيل إذا تصرف على خلاف قول المالك فذلك غير منعقد بالإجماع فالتصرف الواقع على خلاف قول المالك الحقيقي وهو الله سبحانه أولى أن يكون باطلا. وأي فرق بين قوله : «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين» وبين قوله : «لا تبيعوا الحر» وإذا كان الثاني غير منعقد بالاتفاق فكذا الأول. وقال أبو حنيفة : خيار المجلس غير ثابت في عقود المعاوضات المحضة لأن التراضي المذكور في الآية قد حصل. وقال الشافعي : لا شك أن هذا التراضي يقتضي الحل إلّا أنا نثبت بعد ذلك للمتبايعين الخيار بقوله صلىاللهعليهوسلم : «المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا» (١). (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) من كان من جنسكم من المؤمنين لأنّ المؤمنين كنفس واحدة ، أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة حينما يعرضه غم أو خوف أو مرض شديد يرى قتل نفسه أسهل عليه. عن الحسن البصري قال : حدثنا جندب بن عبد الله أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كان رجل جرح فقتل نفسه فقال الله : بدرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة» (٢). وعن أبي هريرة قال : شهدنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام : هذا من أهل النار. فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراح. فقيل له : يا رسول الله الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم إلى
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب البيوع باب ٤٢ ، ٤٤ ، ٤٧. مسلم في كتاب البيوع حديث ٤٥. أبو داود في كتاب البيوع باب ٥١. النسائي في كتاب البيوع باب ٩. الموطأ في كتاب البيوع حديث ٧٩. أحمد في مسنده (١ / ٥٦).
(٢) رواه البخاري في كتاب الجنائز باب ٨٣.