النار. فكاد بعض المسلمين أن يرتاب. فبيناهم على ذلك إذ قيل له : إنه لم يمت ولكن به جراحات شديدة ، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله. وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» (١). وعن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صلّيت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله تعالى يقول : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يقل شيئا. وقيل : معنى الآية لا تفعلوا ما تستحقون به القتل من القتل والردة والزنا بعد الإحصان (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) ولأجل رحمته نهاكم عما يضركم عاجلا وآجلا. وقيل من رحمته أنه لم يأمركم بقتل أنفسكم كما أمر بني إسرائيل بذلك توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) القتل (عُدْواناً وَظُلْماً) لا خطأ ولا قصاصا. هذا قول عطاء. وقال الزجاج : ذلك إشارة إلى القتل والأكل بالباطل. وعن ابن عباس أنه عائد إلى كل ما نهى الله تعالى عنه من أول السورة. وتنكير النار للتعظيم أو للنوع. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) مثل على وفق المتعارف كقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] وإلّا فلا مانع له عن حكمه ولا منازع له في ملكه.
التأويل : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) الآية كلها إشارات إلى نهي التعلق ومنع التصرف في الأمهات السفليات والمتوالدات من أوصاف الإنسان وصفات الحيوان. (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) بأنواع غفرانه ظلمات الصفات الإنسانية التي تتولد من تصرفات الحواس في المحسوسات عند الضرورات بالأمر لا بالطبع (رَحِيماً) بالمؤمنين فيما اضطرهم إليه من التصرفات بقدر الحاجة الضرورية. (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) هي الدنيا التي تصرف فيها العلويات (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) بإذن الله تعالى حيث قال : (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف : ٣١] (مُحْصِنِينَ) حرائر من الدنيا وما فيها (غَيْرَ مُسافِحِينَ) في الطلب مياه وجوهكم. (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) من الضروريات فأعطوا حقوق تلك الحظوظ بالطاعة والشكر والذكر. ثم إنّ الله تعالى أحب نزاهة قلب المؤمن عن دنس حب الدنيا كما أحب
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ١٧٥. الترمذي في كتاب الطب باب ٧. النسائي في كتاب الجنائز باب ٦٨. الدارمي في كتاب الديات باب ١٠. أحمد في مسنده (٢ / ٢٥٤ ، ٤٧٨).