ثم عجز عن إتمامها فإن له ثواب تمام تلك الطاعة كما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن المريض إذا عجز عما كان يفعله من الطاعة في حال الصحة كتب له ثواب مثل ذلك إلى أن يبرأ». وأيضا من المعلوم أن كل من أتى بعمل فإنه يجد الثواب المرتب على ذلك القدر فلا يبقى في الآية فائدة الترغيب. وأيضا لا تكون الآية جوابا عن قول الصحابة في ضمرة لو وافى المدينة لكان أتم أجرا. قالت المعتزلة : في الآية دليل على أن العمل يوجب الثواب على الله لأن الوقوع والوجوب السقوط. قال تعالى : (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) [الحج : ٣٦] أي وقعت وسقطت ولفظ الأجر وكلمة «على» يؤكدان ما قلنا ، وأجيب بأنا لا ننازع في أن الثواب يقع البتة لكن بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم. واستدل بعض الفقهاء بالآية على أن الغازي ، إذا مات في الطريق وجب سهمه في الغنيمة كما وجب أجره ، وردّ بأن قسم الغنيمة يتوقف على حيازتها بخلاف الأجر. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر ما كان منه من القعود إلى أن خرج ويرحمه بإكمال أجر المجاهدين. ومما يفتقر المجاهد إليه معرفة كيفية أداء الصلاة في زمان الخوف والاشتغال بمحاربة العدو فلا جرم قال : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) يقال : قصر صلاته وأقصرها وقصرها بمعنى. ولفظ القصر مشعر بالتخفيف إلّا أنه ليس صريحا في أن التخفيف في كمية الركعات أو كيفية أدائها. والجمهور على أن المراد القصر في العدد وهو أن كل صلاة تكون في الحضر أربع ركعات وهي الظهر والعصر والعشاء فإنها تصير في السفر ركعتين ، ويبقى المغرب والصبح بحالهما ، وعن ابن عباس : فرض الله صلاة الحضر أربعا ، وصلاة السفر ركعتين ، وصلاة الخوف ركعة على لسان نبيكم. وعنه أيضا أن المراد التخفيف في كيفية الأداء كما يؤتى به عند شدة التحام القتال من الصلاة مع تلطخ الثوب بالدم ومن الإيماء مقام الركوع والسجود ويؤكد هذا الرأي بقوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فإن خوف فتنة العدو لا يزول فيما يؤتى بركعتين على تمام أوصافهما ، وإنما يزول بالتجوز والتخفيف فيهما. حجة الجمهور ما روي عن يعلى بن أمية أنه قال : قلت لعمر بن الخطاب : كيف نقصر وقد أمنا وقال الله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ)؟ فقال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. فهذا الخبر يدل على أنهم فهموا من القصر التخفيف في أعداد الركعات ويؤيده حديث ذي اليدين : «أقصرت الصلاة أم نسيت؟» وأيضا القصر بمعنى تغيير هيئة الصلاة يجيء بعد ذلك ، فجمل الكلام على ما لا يلزم منه التكرار أولى. أما تقييد القصر بحالة الخوف فلأن الآية نزلت على غالب أسفار النبي صلىاللهعليهوسلم وأكثرها لم يخل عن خوف قتال الكفار فلا يمكن الاستدلال بمفهومها على عدم جواز القصر في حالة الأمن ولا في حالة الخوف بسبب آخر ، على أن