الإثم والعدوان وشهادتهم بالزور والبهتان لأن وباله عليهم (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما أمرت الأنبياء إلا بالأحكام على الظواهر ، أو هو وعد بإدامة العصمة له مما يريدون في الاستقبال من إيقاعه في الباطل. ثم أكد الوعيد بقوله : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي إنه لما أمرك بتبليغ الشريعة إلى الخلق فكيف يليق بحكمته أن لا يعصمك عن الوقوع في الشبهات والضلالات؟ وعلى الأول يكون المراد أنه أوجب في الكتاب والحكمة بناء أحكام الشرع على الظاهر فكيف يضرك بناء الأمر عليه (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) من أخبار الأولين. فيه معنيان : أحدهما أن يكون كما قال : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢] أي أنزل الله عليك الكتاب والحكمة وأطلعك على أسرارهما وأوقفك على حقائقهما مع أنك ما كنت قبل ذلك عالما بشيء منهما ، فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك حتى لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك. الثاني أن يكون المراد منها خفيات الأمور وضمائر القلوب أي علمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين ، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ووجوه مكايدهم ما تقدر على الاحتراز منهم (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) فيه دليل ظاهر على شرف العلم حيث سماه عظيما وسمى متاع الدنيا بأسرها قليلا.
التأويل : الصلاة صورة جذبة الحق ومعراج العبد فلهذا فرضت في الخوف والأمن وشدة القتال والسفر والحضر والصحة والمرض ليكون العبد مجذوب العناية على الدوام (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) أي أدمتها لهم لأن النظر إليك عبادة كما أن الصلاة عبادة ، وكما أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فإنك تنهاهم عن الفحشاء والمنكر (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ) هم الخواص (مِنْهُمْ) أي من عوامهم (مَعَكَ) أي مع الله لأنك مع الله كقوله : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] (وَلْيَأْخُذُوا) يعني طائفة من بقية القوم (أَسْلِحَتَهُمْ) من الطاعات والعبادات دفعا لعدو النفس والشيطان (فَإِذا سَجَدُوا) يعني من معك ونزّلوا مقامات القرب (فَلْيَكُونُوا) أي هؤلاء القوم (مِنْ وَرائِكُمْ) في المرتبة والمقام والمتابعة يحفظونكم باشتغالهم بالأمور الدنيوية لحوائجكم الضرورية للإنسان. (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) في الصحبة (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) في الوصلة (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ) وهو آداب الطريقة (وَأَسْلِحَتَهُمْ) وهي أركان الشريعة (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) هم عدوّ النفس وصفاتها (إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ) يعني أشغال الدنيا وضروريات حوائج الإنسان يمطر عليكم في بعض الأوقات أن تضعوا أسلحة الطاعة والأركان ساعة فساعة. (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) من التوجه إلى الحق ومراقبة الأحوال وحفظ القلب وحضوره مع الله وخلو السر