فلم أطلق عليهم لفظ النصيب مع أنه لا يتناول إلّا القسم الأقل؟ والجواب أنّ هذا التفاوت إنما يحصل من نوع البشر ، أما إذا ضمّ الملائكة إليهم فالغلبة للمحقين لا محالة. وأيضا الغلبة لأهل الحق وإن قلّوا ، وغيرهم كالعدم وإن كثروا. (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) يعني عن الحق. قالت المعتزلة : فيه دلالة على أصلين من أصولنا : الأول أنّ المضل هو الشيطان دون الله ، والثاني أنّ الإضلال ليس عبارة عن خلق الكفر والضلال فإنّ الشيطان بالاتفاق لا يقدر على ذلك. وأجيب بأنّ هذا كلام إبليس فلا يكون حجة على أنّ كلامه في هذه المسألة مضطرب جدا فتارة يميل إلى القدر المحض وهو قوله : (لَأُضِلَّنَّهُمْ) (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) [ص : ٨٢] وأخرى إلى الجبر المحض كقوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [الأعراف : ١٦] (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال واقتحام الأهوال وانتظام الأحوال فلا يكاد يقدم على التوبة والإقبال على تهيئة زاد الآخرة حتى يصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة. (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) البتك القطع ، وسيف باتك أي صارم ، والتبتيك التقطيع شدّد للكثرة. وجمهور المفسرين على أنّ المراد به هاهنا قطع آذان البحائر كانوا يشقون أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن إذا جاء الخامس ذكرا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها ويسمونها بحيرة. وقال بعضهم : كانوا يقطعون آذان الأنعام نسكا في عبادة الأوثان فهم يظنون أن ذلك عبادة مع أنه في نفسه كفر وفسق. قوله : (فَلَيُبَتِّكُنَ) صيغة غابر للغائبين واللام لجواب قسم آخر أي فو الله ليبتكن وأصله ليبتكون ، فلما دخلت النون الثقيلة سقطت نون الرفع ولتوالي الأمثال وواو الجمع لالتقاء الساكنين واكتفى بالضمة ، والفاء للتسبيب والإيذان بتلازم ما قبلها وما بعدها والجملة كالتفسير لقوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ) ومثله في الإعراب قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) والمراد من التغيير إما المعنوي وإما الحسي. فمن الأول قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والضحاك ومجاهد والنخعي وقتادة والسدي أنه تغيير دين الله بتبديل الحرام حلالا وبالعكس ، أو بإبطال الاستعداد الفطري (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠] «كل مولود يولد على الفطرة». ومن الثاني قول الحسن المراد ما روى ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لعن الله الواشمات والواشرات والمتنمصات» (١) وذلك أنّ المرأة تتوصل بهذه الأفعال إلى الزنا. أما وشم اليد فهو أن
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب البيوع باب ٢٥ ، ١١٣. مسلم في كتاب اللباس حديث ١١٩. أبو داود في كتاب الترجل باب ٥. الترمذي في كتاب اللباس باب ٢٥. النسائي في كتاب الطلاق باب ١٣. ابن ماجه في كتاب النكاح باب ٥٢. الدارمي في كتاب الاستئذان باب ١٩. أحمد في مسنده (١ / ٨٣ ، ٨٧) ، (٦ / ٢٥٠).