يغرزها بالإبرة ثم يذر عليها النيل. والوشر تحديد الأسنان ، والتنميص نتف شعر الحاجب وغيره. وقال أنس وشهر بن حوشب وعكرمة وأبو صالح : تغيير خلق الله هو الخصاء وقطع الآذان وفقء العيون. وكانت العرب إذا بلغت إبل أحدهم ألفا أعور وأعين فحلها. وخصاء البهائم مباح عند عامة العلماء وأما في بني آدم فمحظور. وعند أبي حنيفة يكره شراء الخصيان وإمساكهم واستخدامهم لأنّ الرغبة فيهم تدعو إلى خصائهم. وقال ابن زيد : هو التخنث تشبه الذكر بالأنثى. وعلى هذا فالسحق أيضا داخل في الآية لأنّه تشبه الأنثى بالذكر. وحكى الزجاج عن بعضهم أنّ الله تعالى خلق الأنعام ليركبوها فحرموها على أنفسهم كالبحائر والسوائب ، وخلق الشمس والقمر مسخرين للناس ينتفعون بهما فعبدوهما فغيروا خلق الله. واعلم أن دخول الضرر في الإنسان إنما يكون على ثلاثة أوجه : التشويش والنقصان والبطلان ، فادعى الشيطان لعنه الله إلقاء أكثر الخلق في ضرر الدين وهو قوله : (لَأُضِلَّنَّهُمْ) ثم فصل ذلك بقوله : (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) وهو الضرر من جنس التشويش لأن صاحب الأماني يتشوّش فكره في استخراج الحيل الدقيقة والوسائل اللطيفة في تحصيل مطالبه الشهوية والغضبية والشيطانية. وقوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) إشارة إلى الضرر بالنقصان لأنّ الإنسان إذا صار مستغرق العقل في طلب الدنيا صار فاتر الرأي ضعيف العزم في طلب الآخرة. وقوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) إشارة إلى البطلان لأن من بقي مواظبا على طلب اللذات العاجلة معرضا عن السعادات الباقية فلا يزال يتزايد ميله وركونه إلى الدنيا حتى يتغير قلبه بالكلية ولا يخطر بباله ذكر الآخرة. (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) بأن فعل ما أمره الشيطان به وترك ما أمره الرحمن به (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) إذ فاته أشرف المطالب بسبب الاشتغال بأخسها. والسبب فيه أنّ الشيطان يعدهم ويمنيهم فيقول للشخص إنه سيطول عمره وينال من الدنيا مقصوده ويستولي على أعدائه ويوقع في قلبه أن الدنيا دول فربما تيسرت لي كما تيسرت لغيري (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) لأنه ربما لم يطل عمره ، وإن طال فربما لم يجد مطلوبه ، وإن طال عمره ونال مأموله على أحسن الوجوه فلا بد أن يكون عند الموت في أشد حسرة وأبلغ حيرة لأنّ المطلوب كلما كان ألذ وأشهى وكان الإلف معه أدوم وأبقى كانت مفارقته آلم وأنكى. وأيضا لعل الشيطان يعدهم أنه لا قيامة ولا حساب ولا جزاء ولا عقاب فاجتهدوا في استيفاء اللذات العاجلة واغتنموا فرصة الحياة الزائلة فلذلك قيل : (أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) مفرا ومعدلا وله معنيان : أحدهما لا بدّ لهم من ورودها ، والثاني التخليد بمعنى الدوام للكفار أو طول المكث للفساق.