الإجمال ثم التبيين. وإنما وحد البهيمة لأنها اسم جمع يشمل أفرادها. وجمع الأنعام لأن النعم مفردا يقع في الأكثر على الإبل وحدها. وقيل : المراد بالبهيمة شيء وبالأنعام شيء آخر وعلى هذا ففيه وجهان : أحدهما أن البهيمة الظباء وبقرة الوحش ونحوها كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه. الثاني أنها الأجنة. عن ابن عباس أن بقرة ذبحت فوجد في بطنها جنين فأخذ ابن عباس بذنبها وقال : هذه بهيمة الأنعام. وعن ابن عمر أنها أجنة الأنعام وذكاته ذكاة أمه ، قالت الثنوية : ذبح الحيوانات إيلام والإيلام قبيح وخصوصا إيلام من بلغ في العجز والحيرة إلى حيث لا يقدر أن يدفع عن نفسه ولم يكن له لسان يحتج على من يقصد إيلامه ، والقبيح لا يرضى به الإله الرحيم الحكيم فلا يكون الذبح مباحا حلالا ، فلقوة هذه الشبهة زعم البكرية من المسلمين أنه تعالى يدفع ألم الذبح عن الحيوانات. وقالت المعتزلة : إن الإيلام إنما يقبح إذا لم يكن مسبوقا بجناية ولا ملحوقا بعوض ، وهاهنا يعوض الله سبحانه وتعالى هذه الحيوانات بأعواض شريفة فلا يكون ظلما وقبيحا كالفصد والحجامة لطلب الصحة وقالت الأشاعرة : الإذن في ذبح الحيوانات تصرف من الله تعالى في ملكه فلا اعتراض عليه ولذا قال : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) قال بعضهم : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) مجمل لاحتمال أن يكون المراد إحلال الانتفاع بجلدها أو عظمها أو صوفها أو بالكل. والجواب أن الإحلال لا يضاف إلى الذات فتعين إضمار الانتفاع بالبهيمة فيشمل أقسام الانتفاع. على أن قوله : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [النحل : ٥] يدل على الانتفاع بها من كل الوجوه ، إلّا أنه ألحق بالآية نوعين من الاستثناء الأول قوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أي إلّا محرم ما يتلى عليكم أو إلّا ما يتلى عليكم آية تحريمه. وأجمع المفسرون على أن الآية قوله بعد ذلك : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ). والثاني قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي داخلون في الحرم أو في الإحرام. قال الجوهري : رجل حرام أي محرم والجمع حرم مثل قذال وقذل. وقيل : مفرد يستوي فيه الواحد والجمع كما يقال قوم جنب ، وانتصاب : (غَيْرَ مُحِلِّي) على الحال من الضمير في : (لَكُمْ) أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد في حالة الإحرام وفي الحرم. ثم كان لقائل أن يقول : ما السبب في إباحة الأنعام في جميع الأحوال وإباحة الصيد في بعض الأحوال؟ فقيل : إن الله يحكم ما يريد فليس لأحد اعتراض على حكمه ولا سؤال بلم وكيف. ثم أكد النهي عن مخالفة تكاليفه بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الأكثرون على أنها جمع شعيرة : «فعيلة» بمعنى : «مفعلة». وقال ابن فارس : واحدها شعارة. ثم المفسرون اختلفوا على