(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) فائدة الإعادة أن يعلم بقاء هذا الحكم عند إكمال الدين واستقراره (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) الأكثرون على أنّ المراد بالطعام الذبائح لأنّ ما قبل الآية في بيان الصيد والذبائح ولأنّ ما سوى الصيد والذبائح محللة قبل إن كانت لأهل الكتاب وبعد أن صارت لهم فلا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة. وعن بعض أئمة الزيدية أن المراد هو الخبز والفاكهة وما لا يحتاج فيه إلى الذكاة. وقيل : إنه جميع المطعومات. (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أي يحل لكم أن تطعموهم من طعامكم لأنه لا يمتنع أن يحرم الله تعالى إطعامهم من ذبائحنا. وأيضا فالفائدة في ذكره أن يعلم أن إباحة الذبائح حاصلة في الجانبين وليست كإباحة المناكحة فإنها غير حاصلة في الجانبين (وَالْمُحْصَناتُ) الحرائر أو العفائف من المؤمنات ، وعلى الثاني يدخل فيه نكاح الإماء. وقد يرجح الأول بأنه تعالى قال : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) ومهر الإماء لا يدفع إليهن بل إلى ساداتهن ، وبأن نكاح المحصنات هاهنا مطلق ونكاح الأمة مشروط بعدم طول الحرة وخشية العنت ، وبأن تخصيص العفائف بالحل يدل ظاهرا على تحريم نكاح الزانية ، وقد ثبت أنه غير محرم. ولو حملنا المحصنات على الحرائر لزم تحريم نكاح الأمة ونحن نقول به على بعض التقديرات ، وبأن وصف التحصين في حق الحرة أكثر ثبوتا منه في حق الأمة لأنّ الأمة لا تخلو من البروز للرجال (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) احتج بها كثير من الفقهاء في أنه لا يحل نكاح الكتابية إلّا إذا دانت بالتوراة والإنجيل قبل نزول الفرقان ، لأنّ قوله : (مِنْ قَبْلِكُمْ) ينافي من دان بهما بعد نزوله. وكان ابن عمر لا يرى نكاح الكتابيات أصلا متمسكا بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) [البقرة : ٢٢١] ويقول : لا أعلم شركا أعظم من قولها إن ربها عيسى. وأوّل الآية بأنّ المراد التي آمنت منهن. فمن المحتمل أن يخطر ببال أحد أن الكتابية ، إذا آمنت هل يحل للمسلم التزوج بها أم لا؟ وعن عطاء أن الرخصة كانت مختصة بذلك الوقت لأنه كان في المسلمات قلة ولأن الاحتراز عن مخالطة الكفار واجب. (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) [آل عمران : ١١٨] وأي خلطة أشد من الزوجية وقد يحدث ولد ويميل إلى دين الأم. وقال سعيد بن المسيب والحسن : الكتابيات تشمل الذميات والحربيات فيجوز التزوج بكلهن. وأكثر الفقهاء على أنّ ذلك مخصوص بالذمية فقط وهو مذهب ابن عباس فإنه قال : من أعطى الجزية حل ومن لم يعط لم يحل لقوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) [التوبة : ٢٩] واتفقوا على أن المجوس قد سنّ بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم. (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) فيه أن من تزوج امرأة وعزم على أن لا يعطيها صداقا كان كالزاني. والزنا