ضربان : سفاح وهو الزنا على سبيل الإعلان ، واتخاذ خدن وهو على سبيل الإسرار فحرمهما الله تعالى في الآية وأحلّ التمتع بهن على سبيل الإحصان وهو التزوج بالشروط والأركان. ثم حث على التزام التكاليف المذكورة بقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) أي بشرائع الله وتكاليفه التي هي من نتائج الإيمان بالله ورسوله. وقال ابن عباس ومجاهد : معناه ومن يكفر برب الإيمان أي بالله. وقال قتادة : ومن يكفر بالقرآن الذي أنزل فيه هذه التكاليف التي لا بد منها في الإيمان فقد خاب وخسر. وفيه أن أهل الكتاب وإن حصلت لهم فضيلة المناكحة وإباحة الذبائح في الدنيا إلّا أن ذلك لا يفيدهم في الآخرة لأنّ كل من كفر بالله فقد حبط عمله في الدنيا ولم يصل إلى شيء من السعادات في الآخرة البتة. واعلم أنّ القائلين بالإحباط فسروا قوله : (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) بأنّ عقاب كفره يزيل ما كان حاصلا له من ثواب أعماله. ومنكروا الإحباط قالوا : إنّ عمله الذي أتى به بعد ذلك الإيمان قد بان أنه لم يكن معتدا به وكان ضائعا في نفسه. ثم إنه سبحانه لما افتتح السورة بطلب الوفاء بالعقود فكأن قائلا قال : عهد الربوبية منك وعهد العبودية منا وأنت أولى بتقديم الوفاء بعهد الربوبية فأجاب الله تعالى نعم أنا أوفى بعهد الربوبية والكرم ، ومعلوم أن منافع الدنيا محصورة في نوعين : لذات المطعم ولذات المنكح فبيّن الحلال والحرام من المطاعم والمناكح ، وقدم المطعوم على المنكوح لأنه أهم. وعند تمام هذا البيان كأنه قال : قد وفيت بعهد الربوبية فاشتغل أيها العبد بوظائف العبودية ولا سيما بالصلاة التي هي أعظم الطاعات وبمقدماتها. ونبني تفسير الآية على مسائل : الأولى ليس المراد بقوله : (إِذا قُمْتُمْ) نفس القيام وإلّا لزم تأخير الوضوء عن الصلاة وهو بالإجماع باطل ، وأيضا لو غسل الأعضاء قبل الصلاة قاعدا أو مضطجعا لخرج عن العهدة بالإجماع ، فالمراد إذا شمرتم للقيام إلى الصلاة وأردتم ذلك. ووجه هذا المجاز أنّ الإرادة الجازمة سبب لحصول الفعل وإطلاق اسم المسبب على السبب مجاز مستفيض. الثانية : ذهب قوم إلى أنّ الأمر بالوضوء تبع للأمر بالصلاة وليس تكليفا مستقلا لأنه شرط القيام إلى الصلاة. والأصح أنه عبادة برأسها لأن قوله : (فَاغْسِلُوا) أمر ظاهره الوجوب غاية ذلك أنه مقيد بوقت التهيّؤ للصلاة. وأيضا إنه طهارة وقد قال تعالى في آخر الآية : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وقال صلىاللهعليهوسلم : «بني الدين على النظافة» وقال : «أمّتي غر محجلون من آثار الوضوء يوم القيامة» (١) والأخبار الواردة في كون الوضوء سببا لغفران
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الوضوء باب ٣. مسلم في كتاب الطهارة حديث ٣٤ ـ ٣٩. الترمذي في كتاب الجمعة باب ٧٤. النسائي في كتاب الطهارة باب ١٠٩. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٦. الموطأ في كتاب الطهارة حديث ٢٨. أحمد في مسنده (١ / ٢٨٢).