الذنوب كثيرة. الثالثة : قال داود : يجب الوضوء لكل صلاة فإنه ليس المراد قياما واحدا في صلاة واحدة وإلّا لزم الإجمال إذ لا دليل على تعيين تلك المرة ، والإجمال خلاف الأصل فوجب حمل الآية على العموم. وأيضا ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب مشعر بالعلية فيتكرر بتكرره فيجب الوضوء عند كل قيام إلى الصلاة. وأيضا إنه نظافة فلا يكون منها بدّ عند الاشتغال بخدمة المعبود. وقال سائر الفقهاء : إنّ كلمة «إذا» لا تفيد العموم ولهذا لو قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق لم تطلق مرة أخرى بالدخول ثانيا. ويروى أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يتوضأ لكل صلاة إلّا يوم الفتح فإنه صلىاللهعليهوسلم صلّى الصلوات كلها بوضوء واحد. قال عمر : فقلت له في ذلك فقال : عمدا فعلت ذلك يا عمر. أجاب داود بأنّ خبر الواحد لا ينسخ القرآن. وأيضا في الخبر معنيان : أحدهما : وجوب التجديد لكل صلاة لا أقل من استحباب ذلك. الثاني أنه ترك ذلك يوم الفتح والأوّل يوجب المتابعة والثاني مرجوع لأنّ الفتح يقتضي زيادة الطاعة لا نقصانها. وأيضا التجديد أحوط ، وأيضا دلالة ظاهر القرآن قولية ودلالة الخبر فعلية والقولية أقوى. ولناصر المذهب المشهور أن يقول : التيمم على المتغوّط والمجامع واجب إذا لم يجد الماء لقوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) الآية. وذلك يدل على أنّ وجوب الوضوء قد يكون بسبب آخر سوى القيام إلى الصلاة فلم يكن هو مؤثرا وحده ، وإذا لم يكن مؤثرا مستقلا جاز تخلف الأثر عنه. نعم التجديد مستحب لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم والخلفاء بعده كانوا يتوضؤن لكل صلاة وقال صلىاللهعليهوسلم : «من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات» وقيل : كان الوضوء لكل صلاة واجبا أوّل ما فرض ثم نسخ. الرابعة : الأصح أن في الآية دلالة على أنّ الوضوء شرط لصحة الصلاة لأنه علق فعل الصلاة بالطهور ، ثم بيّن أنه متى عدم الماء لم تصح الصلاة إلّا بالتيمم ، فلو لم يكن شرطا لم يكن كذلك. وأيضا إنه أمر بالصلاة مع الوضوء فالآتي بها بدون الوضوء تارك للمأمور به فيستحق العقاب وهذا معنى البقاء في عهدة التكليف. الخامسة : قال أبو حنيفة : النية ليست شرطا في الوضوء لأنها غير مذكورة في الآية والزيادة على النص نسخ ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس غير جائز. وعند الشافعي هي شرط فيه لأنّ الوضوء مأمور به لقوله : (فَاغْسِلُوا وَامْسَحُوا) وكل مأمور به يجب أن يكون منويا لقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ) [البينة : ٥] والإخلاص النية الخالصة ، فأصل النية يجب أن يكون معتبرا. وغاية ما في الباب أنها مخصوصة في بعض الصور فتبقى حجة في غير محل التخصيص.
السادسة : قال مالك وأبو حنيفة : الترتيب غير مشروط في الوضوء لأن الواو لا تفيد الترتيب ، فلو قلنا بوجوبه كان من الزيادة على النص وهو نسخ غير جائز. وقال الشافعي :