إنه واجب لأن فاء التعقيب في قوله : (فَاغْسِلُوا) توجب تقديم غسل الوجه ثم سائر الأعضاء على الترتيب. وقال صلىاللهعليهوسلم في حديث الصفا : «ابدءوا بما بدأ الله به» (١). وأيضا الترتيب المعتبر في الحس هو الابتداء من الرأس إلى القدم أو بالعكس ، والترتيب العقلي إفراد العضو المغسول عن الممسوح. ثم إنه تعالى أدرج الممسوح في المغسول فذل هذا على أن الترتيب المذكور في الآية واجب لأن إهمال الترتيب في الكلام مستقبح فوجب تنزيه كلام الله تعالى عنه. وأيضا إيجاب الوضوء غير معقول المعنى لأن الحدث يخرج من موضع والغسل يجب في موضع آخر ولأن أعضاء المحدث طاهرة لقوله : المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا (٢) وتطهير الطاهر محال ولأن الشرع أقام التيمم مقام الوضوء وليس في التيمم نظافة ، وأقام المسح على الخفين مقام الغسل ولا يفيد في نفس العضو نظافة والماء الكدر العفن يفيد الطهارة وماء الورد لا يفيدها فإذن الاعتماد على مورد النص. ولعل في الترتيب حكما خفية لا نعرفها أو هو محض التعبد. وقد أوجبنا رعاية الترتيب في الصلاة مع أن أركان الصلاة غير مذكورة في القرآن مرتبة فرعاية الترتيب في الوضوء مع أن القرآن ناطق به أولى. السابعة : قال الشافعي وأبو حنيفة : الموالاة في أفعال الوضوء غير واجبة لأن إيجاب هذه الأفعال قدر مشترك بين إيجابها على سبيل الموالاة وإيجابها على سبيل التراخي ، وهذا القدر معلوم من الآية ومفيد للطهارة والزائد لا دليل عليه. وأيضا روي أنه صلىاللهعليهوسلم رأى رجلا توضأ وترك لمعة من عقبه فأمره بغسلها ولم يأمره بالاستئناف ولم يبحث عن المدة الفاصلة ، وعند غيرهما شرط كيلا يتخلل بين أجزاء العبادة ما ليس منها. وحدّ التفريق المخل بالموالاة أن يمضي من الزمان ما يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص. الثامنة : قال أبو حنيفة : الخارج من غير السبيلين ينقض الوضوء لأن ظاهر الآية يقتضي الإتيان بالوضوء لكل صلاة لما مر ترك العمل به عند ما لم يخرج الخارج النجس من البدن فيبقى معمولا به عند خروج الخارج النجس. وخالفه الشافعي تعويلا على ما روي أنه صلىاللهعليهوسلم احتجم وصلى ولم يزد على غسل أثر محاجمه. التاسعة : قال مالك : لا وضوء في الخارج من السبيلين إذا كان غير معتاد وسلم في دم الاستحاضة لنا التمسك بعموم الآية.
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب المناسك باب ٥٦. الترمذي في كتاب الحج باب ٣٨. النسائي في كتاب الحج باب ١٦١. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٣٤ ، ٨٤. الدارمي في كتاب المناسك باب ٣٤. الموطأ في كتاب الحج حديث ١٢٦.
(٢) رواه البخاري في كتاب الغسل باب ٢٣ ، ٢٤. مسلم في كتاب الحيض حديث ١١٥ ، ١١٦. أبو داود في كتاب الطهارة باب ٩١. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٨٩. النسائي في كتاب الطهارة باب ١٧١. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٨٠. أحمد في مسنده (٢ / ٢٣٥ ، ٣٨٢).