ذلك. وأيضا قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) يقتضي أن يكون كل بيع حلالا ، وقوله : (وَحَرَّمَ الرِّبا) يقتضي أن يكون كل ربا حراما. لأن الربا هو الزيادة ولا بيع إلا ويقصد به الزيادة ، وإذا تعارضا وتساقطا ووجب الرجوع إلى بيان النبي صلىاللهعليهوسلم. (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ) فمن بلغه وعظ (مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) امتنع من استحلال الربا وتبع النهي (فَلَهُ ما سَلَفَ) فلا يؤاخذ بما مضى منه لأنه أخذ قبل نزول التحريم كقوله (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] عن الزجاج : والتنوين في (مَوْعِظَةٌ) للتعظيم أو للتقليل أي موعظة بليغة أو شيء من المواعظ. وقيل : النهي المتأخر كيف يؤثر في الفعل المتقدم حتى يكون ما سلف ذنبا؟ فالمراد له ما أكل من الربا وليس عليه رد ما سلف. عن السدي : والسلوف التقدم ومنه الأمم السالفة ، وسلافة الخمر صفوتها لأنه أول ما يخرج من عصيرها. (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) لأنه إن انتهى عن أكل الربا كما انتهى عن استحلاله فهو المقر بدين الله العامل بتكليفه فيستحق المدح والثواب ، وإن انتهى عن الاستحلال دون الأكل فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له لقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] (وَمَنْ عادَ) إلى استحلال الربا وأنه مثل البيع (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأنه كفر باستحلال ما هو محرم إجماعا. وأما القائلون بتخليد الفساق فيقولون : ومن عاد إلى أكل الربا. ثم إنه تعالى لما بالغ في الزجر عن الربا وكان قد بالغ في الآي السالفة في الحث على الصدقات ، ذكر ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الربا وفعل الصدقة فقال (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) والمحق نقص الشيء حالا بعد حال ومنه «محاق القمر» وكل من محق الربا وإرباء الصدقات إما في الدنيا وإما في الآخرة. وذلك أن الغالب في المرابي وإن كثر ماله أن تؤل عاقبته إلى الفقر وتزول البركة عن ماله. عن ابن مسعود أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الربا وإن كثر إلى قل» وذلك لدعاء الناس عليه وبغضهم إياه لسقوط عدالته وشهرته بالفسق والعدوان ، وربما يطمع الظلمة في ماله ظنا منهم أن المال في الحقيقة ليس له. وعن ابن عباس في تفسير هذا المحق أن الله تعالى لا يقبل منه صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا صلة. ثم إن مال الربا لا يبقى عند الموت وتبقى التبعة عليه. وقد ثبت في الحديث «أن الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام» (١) هذا حال الغني من الحلال فكيف حال الغني من الحرام المقطوع بحرمته؟ قال القفال : نظير قوله (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) المثل الذي ضربه فيما تقدم (كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) [البقرة : ٢٦٤] ونظير قوله : (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) المثل الآخر (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) [البقرة : ٢٦١] عن أبي هريرة
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب العلم باب ١٣. أحمد في مسنده (٣ / ٦٣).