عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يقبل الصدقات ولا يقبل منها إلا الطيب ويأخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم مهره أو فلوه حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد» (١) وأيضا المتصدق يزداد كل يوم جاهه وذكره الجميل وتميل القلوب إليه وتنقطع الأطماع عنه متى اشتهر منه أنه متشمر لإصلاح مهمات الضعفاء وسد خلة الفقراء ، فتبين أن الربا وإن كان زيادة في المال إلا أنه نقصان في المآل ، والصدقة وإن كانت نقصانا في الحال إلا أنها زيادة في الاستقبال. فعلى العاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الحس والطبع ويعوّل على ما ندب إليه العقل والشرع (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) الكفار فعال من الكفر ومعناه المقيم على ذلك ، والصيغة للمزاولة ك «تمار وقوال» والأثيم «فعيل» بمعنى «فاعل» وهو أيضا للمبالغة في الاستمرار على اكتساب الآثام ، وذلك لا يليق إلا بمن ينكر تحريم الربا فيكون جاحدا. ووجه آخر وهو أن يكون الكفار عائدا إلى المستحل ، والأثيم إلى الآكل مع اعتقاد التحريم. ويحتمل أن يعود كلاهما إلى أكل الربا ويكون تغليظا في أمر الربا وإيذانا بأنه من فعل الكفرة لا من فعل المسلمين. وفي الآية دلالة على أنه تعالى سبقت رحمته عضبه. بيانه أنه لم ينف المحبة إلا عن الجامع بين الإصرار على الكفر وبين المواظبة على سائر الآثام كالربا. فإن استحلاله كفر وهو في نفسه إثم مذموم في جميع الأديان ، لأنه سلب مال المحتاج بنوع من الإكراه والإلجاء ، فتبقى الآية ساكنة عمن جمع بين الأمرين لا على سبيل الإصرار والمواظبة وعن الذي لم يجمع بينهما. نعم قد عرف بدليل آخر أن الكفار الذي لم يواظب على سائر الآثام لا يستأهل محبة الله تعالى وذلك لا ينافي السكوت عن حكمه هاهنا والله أعلم. ثم ذكر الترغيب عقيب الترهيب على عادته من ذكر الوعد مع الوعيد فقال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية. فاحتج به من قال العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان كما مر. وأجيب بأنه قال في الآية : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) مع أن الصلاة والزكاة من الأعمال الصالحة. ورد بأن الأصل حمل كل لفظ على فائدة جديدة ترك العمل به عند التعذر فيبقى في غيره على الأصل (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لم يقل «على ربهم» لأن الأول يجري مجرى ما إذا باع بالنقد وذلك النقد حاضر متى شاء البائع أخذه ، والثاني جار مجرى البيع في الذمة نسيئة ، ولا شك أن الأول أفضل (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) عن ابن عباس : أي فيما يستقبلهم من أحوال القيامة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بسبب ما تركوه في الدنيا ، فإن المنتقل من حال إلى حال أخرى فوقها ربما يتحسر على بعض ما فاته من الأحوال السالفة وإن كان مغتبطا بالثانية
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الزكاة باب ٨. مسلم في كتاب الزكاة حديث ٦٣. الترمذي في كتاب الزكاة باب ٢٨. النسائي في كتاب الزكاة باب ٤٨. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب ٢٨.