ثواب ما كسبت وعليها عقاب ما اكتسبت ، وهذا صريح في أن الاستحقاقين يجتمعان ، وأنه لا يلزم من طرّو أحدهما زوال الآخر. وقال الجبائي : تقدير الآية لها ما كسبت من ثواب العمل الصالح إذا لم يبطله ، وعليها ما اكتسبت إذا لم يكفر بالتوبة وإنما أضمرنا هذا الشرط لأن الثواب منفعة دائمة والعقاب مضرة دائمة ، والجمع بينهما محال. واحتج كثير من المتكلمين بالآية في أن الله تعالى لا يعذب الأطفال بذنوب آبائهم ، والفقهاء تمسكوا بها في إثبات أن الأصل في الأملاك البقاء والاستمرار. وفرعوا عليه مسائل منها : أن المضمونات لا تملك بأداء الضمان ، لأن المقتضى لبقاء الملك قائم وهو قوله (لَها ما كَسَبَتْ) والعارض الموجود إما الغصب وإما الضمان وهما لا يوجبان زوال الملك بدليل أم الولد والمدبر. ومنها أنه لا شفعة للجار لأن المقتضي لبقاء الملك قائم وهو قوله (لَها ما كَسَبَتْ) عدلنا عن الدليل في الشريك لكثرة تضرره بالشركة فيبقى في الجار على الأصل. ومنها أن القطع لا يسقط الضمان لوجود المقتضي ، والقطع لا يوجب زوال الملك بدليل أن المسروق متى كان باقيا وجب رده على المالك. ومنها أن منكري وجوب الزكاة احتجوا به ، والجواب أن دلائل وجوب الزكاة أخص والخاص مقدم على العام.
ثم إنه تعالى حكى عن المؤمنين أربعة أنواع من الدعاء :
الأول (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) ومعنى لا تؤاخذنا لا تعاقبنا. وقد يكون فاعل بمعنى فعل نحو : سافرت وعاقبت اللص. وقيل : معنى المشاركة هاهنا أن الناسي قد أمكن من نفسه وطرّق السبيل إليها بفعله فصار من يعاقبه بذنبه كالمعين لنفسه في إيذاء نفسه. وفي التفسير الكبير : إن الله يأخذ المذنب بالذنب والمذنب يأخذ ربه بالعفو والكرم أي يتمسك عند الخوف من عذابه برحمته ، وهذا معنى المؤاخذة بين العبد والرب. والمراد بالنسيان إما الترك وهو أن يترك الفعل لتأويل فاسد كما أن الخطأ هو أنه يفعل الفعل لتأويل فاسد ومنه قوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] أي تركوا العمل لله فترك أن يثيبهم ، وإما ضد الذكر. وأورد عليه أن النسيان والخطأ متجاوز عنهما في قوله صلىاللهعليهوسلم : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (١) فما معنى الدعاء؟ والجواب من وجوه : الأول أن النسيان منه ما يعذر صاحبه فيه ومنه ما لا يعذر. فمن رأى دما في ثوبه وأخر إزالته إلى أن نسي فصلى وهو على ثوبه عد مقصرا إذا كان يلزمه المبادرة إلى إزالته. وكذا إذا تغافل عن تعاهد القرآن حتى نسي فإنه يكون ملوما بخلاف ما لو واظب على القراءة ومع
__________________
(١) رواه ابن ماجه في كتاب الطلاق باب ١٦.